للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخليفة الناصر أعان سانشو (شانجة) على استرداد ملكه في مملكة ليون شريطة أن يتنازل الأخير عن بعض الحصون المهمة الواقعة على الحدود بين الدولتين، وعندما توفي الناصر نقض سانشو الاتفاق ورفض تسليم الحصون المتفق عليها، وبدأ سلسلة من الأعمال العدائية، جعلت الدولة العربية أكثر تصميماً على انتزاع حقها فآوت الملك المخلوع اردونيو الرابع والمنافس الشديد على عرش ليون ووعدته باستعادة ملكه (١٧)، وعلى أثر ذلك تراجع سانشو عن موقفه وسارع إلى إرسال سفارة إلى قرطبة لإعلام الخليفة الحكم باستعداده لتنفيذ الاتفاقات المعقودة مع الناصر (١٨)، ولكن وفاة اردونيو الرابع قلبت سانشو وعاد إلى سياسة التسويف والمماطلة في تسليم الحصون. ولم يكتف بذلك فتحالف مع بعض الأمراء الشماليين (١٩)، لشن هجوم على الأراضي العربية، وكان رد الحكم قاسياً واستهدف أول ما استهدف قشتالة فعاث في أراضيها واحتل حصن غرماج على نهر دويرة سنة ٣٥٢ هـ (٢٠) وتوالت الحملات بعد ذلك ترد تعديات هذه الممالك وتتوغل في أراضيها وتضيف إلى انتصاراتها حصوناً جديدة، فقد تمكنت قوات القائد غالب بن عبد الرحمن من احتلال حصن قلهرة من بلاد البشكنس، وتطهير بعض المناطق من جند الأعداء (٢١) وهكذا كان للتفوق الحربي لجيش الدولة العربية في الأندلس أثره البارز في إعادة وتثبيت السيادة على جميع مناطق الحدود وثغورها وأمنت الأندلس مدة من شر هجمات جيوش ممالك الشمال، التي دخلت في صراع عنيف بعد وفاة سانشو سنة ٣٥٥ هـ/٩٦٦ م وارتقاء ولده الذي لا يتجاوز خمس سنوات عرش ليون فتولت عمته البيرة مقاليد الأمور نيابة عنه، واستغل النبلاء الطامعون هذه الظروف واستقل كل منهم بما تحت يديه، وتوافدت رسل الوصية على العرش البيرة وهؤلاء النبلاء إلى قرطبة يحكمون الخليفة الحكم فيما شجر بينهم ويسألونه المشورة والرأي (٢٢).

وكان أول الوافدين على العاصمة قرطبة من أمراء الممالك الإسبانية الشمالية أمير


= كثيرة ينظر مثلاً، عنان، دول الإسلام في الأندلس: ٢/ ٥٠٠.
(١٧) ابن عذاري: ٢/ ٢٣٥، المقري: ١/ ٣٨٤.
(١٨) ابن عذاري؛ ٢/ ٢٣٥، المقري: ١/ ٣٨٤.
(١٩) منهم حاكم قشتالة وبنبلونة، وبرشلونة.
(٢٠) أحمد بدر: ٦٦ وأطلق عليها ابن عذاري غزوة (شنت اشتبين) والتسمية الكاملة " شنت اشتبين دي غرماج " كما أوردها عبد العزيز سالم في كتابه: المسلمون وآثارهم في الأندلس: ٢٩٠.
(٢١) ابن خلدون ٤/ ١٤٤ و ١٤٥ المقري: ١/ ٣٨٣.
(٢٢) سالم: ٢٩١ أحمد بدر: ٦٧.

<<  <   >  >>