للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشمالية بطابع جهادي متميز، فقد بلغت الحملات التي سيرت إلى هذه الممالك أكثر من خمسين حملة (٦٠)، ومعنى هذا أن المنصور كان يقوم بحملتين كل عام حملة في الصيف وأخرى في الشتاء وأن جميع هذه الحملات كانت تحت قيادته المباشرة (٦١)، وحقق فيها انتصارات باهرة لم يخسر معركة واحدة من معاركها (٦٢)، " وكان الطابع العام لسياسته الجهادية هجومياً، بانتزاعه المبادرة من أعدائه الذين أرغموا على تغيير استراتيجيتهم العسكرية من الهجوم إلى الدفاع " (٦٣). وظلت قواتهم قابعة ضمن حدودها الإقليمية بعد أن شلت حركتها باتجاه التوغل أو حتى التقرب من الحدود الدولية للدولة العربية. ذلك أن المنصور ابن أبي عامر طرق في عملياته العسكرية هذه أراضٍ لم تطرقها الجيوش العربية من قبل ولا حاولت الوصول إليها، وكانت أهدافه من ذلك إعلام حكام تلك الممالك بأن القوات العربية قادرة على أن تصل وتضرب أية نقطة من أراضيهم حينما ترى أن الضرورة تتطلب ذلك، وقد اعتمد المنصور ابن أبي عامر على قوات أعدت إعداداً جيداً كانت ثمرة النظام الذي أقره على بنية القوات العسكرية فقد كانت الفرق العسكرية قبله تنضوي تحت لواء زعيم من زعماء القبائل وتضم تلك الفرقة أبناء وموالي كل قبيلة، وكانوا يتجمعون بناء على نداء من الدولة للنصرة والتطوع في صفوف القوات العازمة على الحرب، ومنذ عصر الناصر خصوصاً بعد واقعة الخندق سنة ٣٢٧ هـ -. لم تعد للعصبية القبلية أو لزعمائها مكانة وسط تنظيمات الجيش فأكمل ابن أبي عامر هدف الناصر بأن وزع الجند في مجموعات ضمن سرايا وفرق بغض النظر عن عصبية كل جندي وأمر عليهم قائداً يختاره من بين القادة، وجعل قواته من ناحية التنظيم أشبه بالقوات النظامية في العصر الحديث، مع تقرير رواتب شهرية لكل منتظم في هذه القوات وحسب موقعه ومكانته. وهذا النظام سهل أمر تجميع القوات في وقت سريع، وأصبح الجند أكثر إلتزاماً وانضباطاً من ذي قبل، ولعل نتائج هذا التنظيم تبدو جلية من خلال حملات ابن أبي عامر على الممالك الشمالية وغيرها والتي تجاوزت كما ذكرنا الخمسين حملة، أشهرها تلك التي قادها سنة ٣٧١ هـ لمهاجمة مملكة ليون قاصداً مدينة سمورة إلى الشمال من شنت مانكش والغرض تأديب ملك ليون راميرو الثالث


(٦٠) في الكامل، لابن الأثير: ٨/ ٦٦٧ (٥٢ غزوة) ومثلها في كتاب العبر، لابن خلدون: ٤/ ١٤٨ وفي البيان المغرب لابن عذاري: ٢/ ٣٠١ (٥٧ غزوة).
(٦١) ابن خلدون: ٤/ ١٤٨؛ ابن عذاري: ٢/ ٣٠١.
(٦٢) ابن عذاري: ٢/ ٣٠١؛ ابن خلدون: ٤/ ١٤٨؛ المقري: ١/ ٤٠٠١.
(٦٣) بيضون: ٣٤٠؛ وينظر: عنان، دول الإسلام ٢/ ٥٤٠.

<<  <   >  >>