للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبموت غالب بن عبد الرحمن لم يعد للعامري من يخشاه في البلاد، فاتخذ لقباً خلافياً هو المنصور، ودعي له على المنابر به استيفاء لرسوم الملوك (٥٦)، واستمر على تعبئة العناصر المخلصة له في الجيش من مماليك صقالبة وبربر وحرص على بقاء هذه العناصر مرتبط به شخصياً مع إغداقه عليهم الأموال والرواتب المجزية (٥٧).

ودبر حيلة اغتال بها جعفر بن علي بن حمدون قائد جيش الحضرة سنة ٣٧٢ هـ وإعدام قاتله لكي لا ينكشف الأمر (٥٨)، وهكذا تخلص ابن أبي عامر من آخر الرجال الذين أخلصوا له وقدموا له خلال صراعه مع غالب بن عبد الرحمن خدمات جليلة بعد أن وجد دور جعفر بن علي قد انتهى بموت غالب وبقاؤه حياً أمر لا مبرر له. فهو لم يعد يحتمل في دولته رجالاً من طراز جعفر بن علي قد يسببون له في المستقبل نوعاً من الإزعاج.

وهكذا تخلص ابن أبي عامر من جميع منافسيه وفق مبدأ الغاية تبرر الواسطة وفي ذلك يقول ابن الخطيب السلماني: كان ابن أبي عامر آية في الدهاء والمكر والسياسة عدا بالمصحفي على الصقالبة حتى قتلهم، ثم عدا بغالب على المصحفي حتى قتله، ثم عدا بجعفر بن علي بن الأندلسي على غالب حتى استراح منه ثم عدا بنفسه على جعفر حتى أهلكه ثم انفرد ينادي صروف الدهر: هل من مبارز، فلما لم يجده حمل الدهر على حكمه، فانقاد له وساعده واستقام له أمره منفرداً بسابقة لا يشاركه فيها غيره (٥٩).

سياسة المنصور ابن أبي عامر:

أ - السياسة الخارجية:

١ - الجهاد ضد الممالك الإسبانية الشمالية:

امتازت السياسة التي اعتمدها المنصور ابن أبي عامر تجاه الممالك الإسبانية


(٥٦) ابن عذاري: ٢/ ٢٧٩.
(٥٧) أحمد بدر: ٣١.
(٥٨) قال ابن عذاري في البيان المغرب ٢/ ٢٧٩ " ولما فرغ ابن أبي عامر من غالب، دبر الحيلة في حتف جعفر بن علي الذي أقامه أكبر معين في أمر غالب، فواطأ على قتله أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبي ... في طائفة من أصحابه الأندلسيين فقتلوه غيلة، ثم قتل ابن أبي عامر بعد ذلك أبا الأحوص ". ينظر أيضاً: الصفحات ٢٨٠ و ٢٨١ من الكتاب أعلاه.
(٥٩) أعمال الأعلام: ٧٧.

<<  <   >  >>