للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذا نراه يتخذ إجراءات متعاقبة متتالية يحصن فيها نفسه ضد مؤامرات أعدائه، ثم يخلق قوى جديدة لنفسه بدلاً من القوى التي خلقها الحكم المستنصر وتحالف هو معها، وعرف زعماؤها باسم الصنائع الحكميين، وكلما ازدادت الدعائم التي يعتمد عليها وازداد عدد الصنائع العامريين كلما زاد من استبداده، حتى أصبح السلطان المطلق للأندلس (٥٠). ولم يبق أمامه من منافس غير غالب بن عبد الرحمن والد زوجته والذي كان يتمتع بسمعة رفيعة في ميدان القيادة العسكرية وعلى مستوى عموم الأندلس (٥١)، وكان المناوؤون لسياسة ابن أبي عامر يجدون في غالب الرجل المناسب للمقاومة والانتفاض (٥٢)، لهذا عمد ابن أبي عامر إلى منافسة مكانة سلطان غالب برجل لا يقل عنه شجاعة وفروسية فلم يجد لذلك خيراً من جعفر بن علي بن حمدون المعروف بابن الأندلسي شدة بأس، ورباطة جأش وجلالة قدر، فاستدعاه وقواته من المغرب ومنحه لقب وزير وجعله من خاصته وأمَّره على جيش الحضرة (٥٣)، مما أثار القائد غالب بن عبد الرحمن بعد أن فطن إلى ما يدبره العامري وما يهدف إليه، إضافة إلى وشاية (صبح) والدة الخليفة هشام المؤيد بابن أبي عامر ومحاولاتها لإيغار قلب غالب بن عبد الرحمن عليه، ولم يطل الأمر بين الاثنين فقد عزم على استيضاح الأمور ودعا صهره ابن أبي عامر لحضور وليمة أقامها على شرفه في مدينة انتسة، وانفرد الاثنان ودار بينهما حوار انتهى بأن سل غالب سيفه لقتل محمد بن أبي عامر الذي تمكن من الخلاص بأعجوبة واللحاق بالعاصمة قرطبة، حيث أعد قوة خاصة توجهت أولاً إلى مدينة سالم مقر غالب بن عبد الرحمن فتمت السيطرة عليها (٥٤)، وهنا تشير بعض المصادر إلى محالفة غالب لبعض أمراء الإسبان الشماليين وسيره بقواته للقاء قوات ابن أبي عامر في محرم سنة ٣٧١ هـ أمام حصن شنت بجنت على مقربة من انتسة وكادت الدائرة تدور على جيش العامري لولا نهاية غالب بن عبد الرحمن بالسكتة القلبية وسقوطه في ميدان المعركة، فاختل بعدها توازن جيشه وانفلتت تعبئته وولت فصائله منهزمة في اتجاهات مختلفة (٥٥).


(٥٠) أحمد بدر: ٣٠.
(٥١) يقول ابن عذاري في البيان المغرب: ٢/ ٢٧٨ كان غالبٌ يستطيل على ابن أبي عامر بأسباب الفروسية ويباينه بمعاني الشجاعة ويعلوه من هذه الجبهة التي لم يتقدم لابن أبي عامر بها معرفة.
(٥٢) عنان؛ دول الإسلام: ٢/ ٥٣٨.
(٥٣) ابن عذاري: ٢/ ٢٧٨؛ ابن خلدون: ٤/ ١٤٧.
(٥٤) ابن الخطيب: أعمال الأعلام: ٦٢.
(٥٥) ينظر ابن عذاري: ٢/ ٢٧٩؛ عنان، دول الإسلام: ٢/ ٥٣٩؛ أحمد بدر: ٣١.

<<  <   >  >>