للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واتهامه بالتخاذل عند هجوم القشتاليين على قلعة رباح (٤٧)، وفي الوقت الذي فقد المصحفي فيه رجلاً كان على الحياد أصبح هذا الرجل حليفاً ونصيراً قوياً يشد عضد ابن أبي عامر في صراعه الخفي مع المصحفي خصوصاً وأن القائد غالب بن عبد الرحمن قد أصبح يحمل لقب ذي الوزارتين، وقد بدأت نتائج هذا التحالف ونتائج الانتصارات في الجبهة الشمالية تظهر سريعاً، وذلك عندما أمر الخليفة هشام (وبتحريض من ابن أبي عامر) بعزل محمد بن جعفر المصحفي عن حكم قرطبة، وتوليتها أحد أقرباء ابن أبي عامر.

وقد شعر المصحفي بالمصير الذي ينتظره فحاول كسب قائد الجبهة الشمالية غالب وذلك عن طريق المصاهرة، إذ تقدم بطلب إبنة غالب لولده محمد ورغم موافقة غالب على طلبه ووعده له بتنفيذ ذلك، إلا أنه تراجع عندما حاول ابن أبي عامر منع هذه المصاهرة واختصر الطريق وتقدم هو لطلب ابنة غالب زوجة له. وبهذا فشلت آخر محاولة للمصحفي للوقوف في وجه ابن أبي عامر.

وذاعت شهرة ابن أبي عامر عندما جهز القوات للجهاد في غزوته الثالثة سنة ٣٦٧ هـ بالاشتراك مع صهره غالب بن عبد الرحمن فاقتحمت قواتهما المشتركة حصن المال وحصن زنبق، ونازلت مدينة شلمنقة واحتلت معظم المناطق المحيطة بها ثم عادت القوات إلى قرطبة ليبادر الخليفة بتكريم ابن أبي عامر، وتلقيبه بذي الوزارتين ورفع مرتبته إلى مرتبة صاحب الحجابة التي تولاها مع المصحفي خلال هذه الفترة غالب بن عبد الرحمن ثم عزل المصحفي بعد ذلك، وتم القبض عليه وعلى ولده محمد وابن أخيه هشام وبعض أقربائه وصرفوا جميعاً عما كان بأيديهم من الأعمال، واستصفيت أموالهم وألقي جعفر في سجن المطبق حتى وفاته سنة ٣٧٢ هـ/٩٨٣ م (٤٨).

وبالقضاء على المصحفي أصبح محمد بن أبي عامر الرجل الأول في الدولة ما دام الخليفة هشام المؤيد قاصراً عن أداء واجباته الفعلية، وقد وصل ابن أبي عامر إلى هذه المكانة عن طريق التحالف مع قوى، سانده أكثرها، واصطف إلى جانبه نكاية بالحاجب المصحفي لاستئثاره بالسلطات لا إيماناً بأفضليته عليه، وكان ابن أبي عامر يعي ذلك جيداً، ويعلم أن هؤلاء سيعملون ضده إذا ما اقتضى الأمر ذلك في يوم من الأيام (٤٩)،


(٤٧) ابن بسام: ق ٤ ج ١ ص ٦٣ و ٦٤؛ ابن عذاري: ٢/ ٣٦٥.
(٤٨) ابن عذاري: ٢/ ٢٦٧ وما بعدها.
(٤٩) أحمد بدر: ٣٠.

<<  <   >  >>