للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل المؤرخين الأندلسيين (٤٤). الذين وجدوا في نكبة الصقالبة مدخلاً لسرد مثالبهم وسيئاتهم التي أصبحت مدار حديث الجميع.

والقضاء على الصقالبة كان أول خطوة من خطوات ابن أبي عامر باتجاه السيطرة على السلطة فهو الذي أغرى المصحفي بنكبتهم ومن ثم ألحقهم بحاشيته وبالغ في إكرامهم واستمال إليه أيضاً بني برزال وكانوا ضمن بطانة المصحفي، ولم يكن المصحفي ليعي أبعاد هذه السياسة التي جردته من أنصاره وحماته، ويبدو أنه عد هذا العمل حسنة من ابن أبي عامر، بعد أن ثقلت مطالب هذه الفرق المالية، مع شهرة المصحفي بالبخل والتقتير على أنصاره، وبسط ابن أبي عامر كرمه على أنصاره الذين أصبحوا أداة مخلصة لتحقيق كل أهدافه، وحاول بعد ذلك السيطرة على القوى العسكرية، والتحالف مع القوى الأخرى التي لا يستطيع بسط نفوذه عليها، فقاد خلال فترة وجيزة ثلاث حملات باتجاه الممالك الإسبانية الشمالية، أولها كانت سنة ٣٦٦ هـ عندما قام القشتاليون بهجوم شديد على قلعة رباح، مما اضطر أهلها إلى طلب النجدة من حكومة قرطبة التي بدت وكأنها عاجزة عن مناصرتهم، واكتفى المصحفي بالعمل على نسف القنطرة المبنية على نهر آنة لمنع تعرض القشتاليين لهذه القلعة، وهنا برز دور ابن أبي عامر في الدعوة لتجميع القوات وإعدادها لمهاجمة قشتالة وتولى هو قيادة هذه الحملة التي دخلت أراضي جليقية، ونازل حصن الحامة فدمره وعاث في أطرافه وعاد إلى قرطبة، وقد أضاف إلى رصيده في نجاحه العسكري هذا صفة القائد العسكري الناجح إضافة إلى الصفات السياسية والإدارية التي تميز بها.

ولم يكتفِ ابن أبي عامر بهذه الحملة بل أعاد الكرة ثانية بالإشتراك مع قوات غالب بن عبد الرحمن قائد الجبهة الشمالية، فخرجا من مجريط وتوغلا بقواتهما في أراضي مملكة قشتالة، وسيطرا على حصن مولة، وأصابا كثيراً من الغنائم والسبي، ثم عادت القوات إلى قواعدها الأصلية (٤٥)، وقد استطاع ابن أبي عامر من كسب القائد غالب بن عبد الرحمن إلى جانبه (٤٦). بعد أن عانى الأخير كثيراً من لوم المصحفي


(٤٤) عنان، دول الإسلام: ٢/ ٥٢٧ وعلى سبيل المثال، ينظر: ابن بسام، الذخيرة، ق ٤ ج ١ ص ٦١، ابن عذاري: ٢/ ٢٦٣.
(٤٥) ابن عذاري: ٢/ ٣٦٥.
(٤٦) في البيان المغرب: ٢/ ٢٦٥ " وخدم ابن أبي عامر غالباً في سفره هذا خدمة ملك بها نفسه، فمال إليه غالب بكليته ".

<<  <   >  >>