للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للخليفة الراحل، وإنما وجدوا في ذلك ضماناً أكيداً لمراكزهم السلطوية (٣٨)، في الدولة.

في حين نجد اتجاهاً آخر يتزعمه كبار رجال الصقالبة كفائق وجؤذر يميلون إلى تنحية هشام المؤيد وتولية أحد أمراء البيت الأموي مكانه، ووقع اختيارهم على شخصية جديرة بهذا المنصب معروفة بقدراتها الفذة هو الأمير المغيرة بن عبد الرحمن الناصر أخي الحكم المستنصر. ومن باب المحافظة على وحدة البلاد وعدم تفريق الكلمة، خصوصاً وأن الصقالبة يمتلكون قوة كبيرة في القصر الخلافي قد تستخدم في الإنقلاب على الخليفة الجديد، فقد اتخذ مجلس الوصاية إجراءً وقائياً سريعاً تم خلاله قتل المغيرة بن عبد الرحمن (٣٩)، وتفريق أنصاره، ولم يجد الصقالبة بُداً من الطاعة والتظاهر بالرضا، وهم في الحقيقة يعدون لمؤامرة تعيد هيبتهم في البلاد ومع كشف أول خيوط هذه المؤامرة بدأ المصحفي يتحوط من غدرهم، فوضع زعمائهم تحت المراقبة الشديدة وسرح أعداداً كبيرة من الخدمة وألحقهم بخدمة محمد بن أبي عامر (٤٠)، وأمر الباقين بالدخول والخروج من القصر من باب عامة الناس، بعد أن أغلق الباب المخصص لدخول الصقالبة وخروجهم (٤١). وتمت تصفية بعض العناصر الخطرة (٤٢)، ونفي آخرون إلى مناطق خارج العاصمة قرطبة (٤٣).

وبهذه الإجراءات أمِن المصحفي وابن أبي عامر شر هذه القوة التي كانت ولسنوات عديدة صاحبة الكلمة النافذة والنفوذ الواسع في الدولة، وقد قوبل هذا العمل بارتياح من


(٣٨) يقول ابن عذاري في البيان المغرب: ٢/ ٢٦٠: جمع المصحفي الشخصيات التي تؤازره ومنهم زياد بن أفلح مولى الحكم وقاسم بن محمد، ومحمد بن أبي عامر وهشام بن محمد بن عثمان وآخرين غيرهم " واستدعى بني برزال إذ كانوا بطانته من سائر الجند، واستحضر سائر قواد الأجناد الأحرار وعرفهم مذهب الصقالبة في نكث بيعة هشام ... وقال لهم: إن حبسنا الدولة على هشام أمنا على أنفسنا وصارت الدنيا في أيدينا وإن انتقلت إلى المغيرة، استبدل بنا ... ".
(٣٩) تولى قتله محمد بن أبي عامر، ينظر: ابن عذاري ٢/ ٢٦١، ابن خلدون ٤/ ١٤٧.
(٤٠) من أخطاء الوزير المصحفي القاتلة لسلطته، أنه قام بتسريح عددٍ من الصقالبة قيل أنهم في حدود الخمسمائة صقلبي، وألحقهم في حاشية ابن أبي عامر، الذي رحب بهم وزاد في إكرامهم حتى أصبحوا من أكثر المخلصين له، ينظر، ابن عذاري: ٢/ ٢٦٣، ابن خلدون: ٤/ ١٤٧.
(٤١) كان الصقالبة يدخلون إلى القصر من باب الحديد فأغلقه المصحفي وجعل دخولهم وخروجهم من باب السدة مع بقية الناس، ابن عذاري: ٢/ ٢٦٢.
(٤٢) من أمثال دري الصقلبي الذي حاول إثارة الشغب فاستدعيَ إلى العاصمة قرطبة وتم قتله، تفاصيل ذلك في البيان المغرب ٢/ ٢٦٣.
(٤٣) نفي فائق أحد زعمائهم إلى الجزائر الشرقية.

<<  <   >  >>