للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتقرب من الخليفة المحجور عليه هشام المؤيد، وأفرط في ملازمته والتردد إليه، حتى أنعم عليه الخليفة بلقب المأمون، مما أثار استنكار الكثير من العناصر القرطبية التي بدأت تتساءل عن معنى منح هذا اللقب في الوقت الذي لم يروا من عبد الرحمن شنجول أي عمل أو خدمة عامة يستحق عليها مثل هذا التكريم.

ثم أعقب هذا اللقب مرسوم خلافي (١٠٩) بتولية عبد الرحمن شنجول ولاية العهد وقرأ المرسوم أمام كبار رجال الدولة وزعماء الطوائف في البلاد (١١٠)، وكان لهذا القرار آثاره الخطيرة على كيان العامريين بصورة خاصة والدولة بصورة عامة فبدأ المروانيون ومن والاهم بالعمل على قلب نظام الحكم واستغلال أمثل الظروف لتحقيق أهدافهم، وسنحت الفرصة عند خروج عبد الرحمن شنجول لحرب قشتالة (١١١)، وخلو العاصمة من معظم القوات النظامية فثار محمد بن هشام حفيد عبد الرحمن الناصر المقلب بالمهدي (١١٢)، في ١٦ جمادى الآخرة سنة ٣٩٩ هـ/١٠٠٩ م وسيطر على قصر الخليفة هشام المؤيد، الذي أعلن تنازله عن الخلافة ليتولاها محمد بن هشام مكانه، الذي أتم السيطرة على مدينة الزاهرة فاستبيحت ونهبت خزائنها وأحرقت حتى لم يبق المهاجمون على أثر يذكر لعمائر وذخائر المدينة العامرية المذكورة.

وعندما وصلت أخبار الانقلاب إلى عبد الرحمن شنجول، ارتد بقواته إلى قلعة رباح، وأعلن تنازله عن ولاية العهد، ودعا إلى نصرة الخليفة هشام المؤيد لكن نداءاته وإجراءاته كانت متأخرة جداً، فأسقط في يده عندما تفرق عنه معظم جنده وانتهى أمره أخيراً بالإعدام في السنة نفسها (١١٣).

وهكذا أسدل الستار على الدولة العامرية، بسرعة لم تكن متوقعة؛ فقد تولى عبد الرحمن شنجول الحكم، والدولة محكمة النظام موطدة الدعائم، ولم تمضِ أكثر


(١٠٩) نصه في البيان المغرب: ٣/ ٤٤، أعمال الأعلام - القسم الثاني: ٩١. وينظر: ابن خلدون: ٤/ ١٤٨ و ١٤٩.
(١١٠) ابن عذاري: ٣/ ٤٧، ابن خلدون: ٤/ ١٤٨.
(١١١) خرج عبد الرحمن شنجول في ظروف مناخية غير ملائمة لمثل هذه الحملات، فالوقت كان شتاءً قاسياً ولا يسمح بتوغل القوات في الأراضي القشتالية، إضافة إلى نصح المقربين إليه بعدم ترك العاصمة قرطبة فى وقت بدأت فيه العناصر المناوئة تستعد لإعلان ثورتها.
(١١٢) قتل والده في عهد عبد الملك المظفر عندما دبر مؤامرة لقلب نظام الحكم وبمساعدة الوزير عيسى بن سعيد.
(١١٣) ابن عذاري: ٣/ ٢٤٩؛ ابن خلدون: ٤/ ١٤٩.

<<  <   >  >>