للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المركزية سياسة والده المنصور، إلا أنه فشل في جوانب هامة كان لها أكبر الأثر في هدم تراث العامريين السياسي في الأندلس. فعبد الملك بن المنصور ابن أبي عامر لم يخالف سياسة والده أو سياسة الدولة المركزية اتجاه المغرب والحفاظ على مناطق النفوذ والدفاع عنها حتى ما تطلب الأمر ذلك.

وظلت العلاقة مع الممالك الإسبانية الشمالية تتراوح بين الصراع الحربي والوفاق المشوب بالحذر (١٠٣) كما استمرت العلاقة الودية مع بعض ملوك العصر (١٠٤).

والظاهرة البارزة في عهده هي تناحر كبار رجال الدولة وتسابقهم للاستحواذ على السلطة في وقت بدى فيه عبد الملك بن المنصور ابن أبي عامر مشغولاً بأمور بعيدة عن مصلحة الدولة ففوض بعض سلطاته لكبار موظفيه كطرفة الصقلبي وعيسى بن سعيد أحد وزرائه، وأفضى هذا التفويض إلى تسابق الطرفين للسيطرة على أهم السلطات حتى بدأت دولته وكأنها تتحرك من خلال شخصيتين متنافرتين وباتجاهين مختلفين (١٠٥)، وإذا استطاع طرفة الغلبة في بداية عهده فإن الوزير ابن سعيد سعى به لدى عبد الملك بن المنصور ابن أبي عامر، وحسب عليه أموراً عديدة، حتى أقنع عبد الملك بخطورة تسلط طرفة الصقلبي الذي نفي إلى الجزائر الشرقية سنة ٣٩٤ هـ (١٠٦). وهكذا نجحت خطط الوزير ابن سعيد بالقضاء على أقوى منافسيه فتبؤا مكانة مرموقة وأصبح الوزير المفوض في معظم أمور الدولة (١٠٧)، حتى أصبحت تلك السلطات نقمة عليه حين سعى بدوره إلى التآمر لقلب نظام الحكم، وتولية أحد الأمراء الأمويين خليفة على البلاد، وقد كشفت المؤامرة قبل تنفيذها فحكم عليه وعلى أعوانه بالإعدام سنة ٣٩٧ هـ (١٠٨).

استمر عبد الملك بن المنصور ابن أبي عامر في الحجابة سبع سنوات إلى أن توفي سنة ٣٩٩ هـ/١٠٠٩ م. وناب عنه في منصب الحجابة أخوه عبد الرحمن الملقب شنجول، ولم يكن عبد الرحمن الشخصية التي يمكن أن تملأ الفراغ الذي تركه أخوه عبد الملك المظفر، فقد عرف عنه قلة الذكاء والتهور، وبدأ عصره فخالف سياسة والده وأخيه


(١٠٣) ابن عذاري: ٣/ ٣ وما بعدها. وأحصى ابن عذاري لعبد الملك سبع غزوات باتجاه مدن وقلاع الممالك الإسبانية الشمالية.
(١٠٤) ابن عذاري: ٣/ ١٠.
(١٠٥) ابن بسام: ق ٤ ج ١: ٥٠.
(١٠٦) ابن بسام: الذخيرة: ق ٤ ج ١: ٥٢. وينظر؛ ابن عذاري ٣/ ٢٦.
(١٠٧) ابن عذاري: ٣/ ٢٧ وما بعدها.
(١٠٨) تفاصيل ذلك في البيان المغرب: ٣/ ٣١.

<<  <   >  >>