للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان لابن جهور موقف خاص من أسطورة ظهور الخليفة هشام المؤيد بالله عندما أعلنها ابن عباد صاحب إشبيلية " ذلك أن ابن عباد حينما أحس بخطورة مطامع بني حمود في رئاسة جنوبي الأندلس، واتشاحهم بثوب الخلافة وحينما أرهقه يحيى بن علي بن حمود (المعتلي) بغاراته المتوالية، رأى أن يدحض دعاوى أولئك الحموديين، فأعلن في سنة ٤٢٧ هـ (١٢) أن الخليفة هشام المؤيد حي لم يمت، وأظهر بالفعل شخصاً يشبه هشاماً كل الشبه، وبايعه بالخلافة ودعا الناس للدخول في طاعته (١٣)، وبعث بذلك إلى رؤساء الأندلس، فاستجاب بعضهم للدعوة، وكان منهم عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، ومجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية، والوزير أبو الحزم بن جهور رئيس قرطبة، وعقدت البيعة في قرطبة بالفعل لهشام المؤيد، والظاهر أن جهور لم يكن يؤمن حقاً بصحة هذه الدعوى ولكنه استجاب لها، وأقرها لنفس البواعث التي حملت ابن عباد على انتحالها، وهو العمل على دفع خطر الحموديين " (١٤).

ظل ابن جهور على حكم قرطبة حتى وفاته سنة ٤٣٥ هـ فصار الأمر إلى ابنه أبي الوليد محمد بن جهور الذي اعتمد سياسة أبيه في تدبير أمور قرطبة (١٥)، ولكن أبا الوليد اضطر نتيجة ظروف عديدة إلى الابتعاد عن ممارسة السلطات وقدم ولده عبد الملك، ولكن المذكور لم يكن على مستوى من القدرة والسياسة بحيث يتمكن من إدارة حكومة قرطبة (١٦) بالمستوى المطلوب، فأهمل شؤون الدولة وسعى إلى الألقاب السلطانية وفوض إلى وزير أبيه إبراهيم بن يحيى بن السقاء مقاليد الأمور وعلى الرغم من حسن تدبير الأخير إلا أنه أعدم سنة ٤٥٥ هـ (١٧)، وعادت الأمور المضطربة مرة أخرى وزادتها سوءاً منافسة عبد الرحمن لأخيه عبد الملك في السلطة ومحاولته السيطرة عليها دون أخيه، مما اضطر أبا الوليد إلى التدخل وتقسيم السلطات بين ولديه، ففوض أمر القوات المسلحة إلى عبد الملك وفوض الأمور المالية لعبد الرحمن (١٨). ولكن هذا التقسيم لم يكن ليرضي عبد الملك فقبض على أخيه عبد الرحمن وفرض عليه الإقامة الجبرية (١٩)،


(١٢) في الأصل سنة ٤٢٦ هـ والتصويب عن ابن عذاري ٣/ ١٩٠.
(١٣) سيأتي تفصيل ذلك عند التعرض لدولة ابن عباد.
(١٤) عنان: ٣/ ٢٤.
(١٥) ابن بسام: ق ١ج ٢ ص ٦٠٤.
(١٦) ابن عذاري: ٣/ ٣٥٩.
(١٧) أعدم بوشاية من ابن عباد، ابن بسام ق ١ج ٢ ص ٦٠٩.
(١٨) ابن بسام: ق ١ج ٢ ص ٦٠٧.
(١٩) ابن عذاري: ٣/ ٢٥٨.

<<  <   >  >>