للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دخول مدينة إشبيلية عندما طرده أهل قرطبة (٢٣)، وعندما تعرضت إشبيلية لمحاصرة قوات يحيى بن حمود سنة ٤١٤ هـ، برز ابن عباد بوصفه مفاوضاً ذكياً، فقد تمكن من رد قوات ابن حمود دون أن يعرض مركزه ومدينته إلى أي ضعف أو خطر، فقد وعد ابن عباد الخليفة الحمودي بالدعوة له في الخطبة وتأدية مبلغ من المال لإثبات ولائه له.

وكانت حركته هذه ضرورية قصد بها إبعاد خطر قوات الحموديين عن المدينة وقد استخلص مرسوماً مهماً من الخليفة الحمودي بإقراره رئيساً ونائباً عنه في مدينة إشبيلية (٢٤)، ومنذ هذا التاريخ بدأ ابن عباد يسعى إلى تأسيس ملك خاص بأسرته، ويعمل على تجميع قوات مخلصة لأهدافه (٢٥)، جعلها أداة ضاربة لتقليم نفوذ ملوك الطوائف المجاورين لإشبيلية، والسعي إلى ضم ما يمكن ضمه من حصون ومدن تلك الدويلات ولكي يبعد ابن عباد خطر الحموديين عن مناطق نفوذه نهائياً ويتحلل من تبعيته (الإسمية) لهم (٢٦)، وليثبت شرعيته في الحكم ويسوغ الأعمال التوسعية التي قام بها، أعلن في سنة ٤٢٦ هـ عن ظهور هشام المؤيد (٢٧)، وإعلانه خليفة في إشبيلية، ودعا بقية حكام دويلات الطوائف للإعتراف به (٢٨)، (وقد سبقت الإشارة إلى اعتراف بني جهور بالخليفة هشام لأسباب ذكرت آنفاً). وعلى هذا الأساس يعد محمد بن عباد مؤسس دولة بني عباد الحقيقي " ومنشئ ملكهم ورسوم مملكتهم، وعلى يده اتخذ سلطان بني عباد ألويته الملوكية المدعمة بالقوى العسكرية، وإن لم يصل بعد إلى غايته من الروعة والفخامة، وأصبح ملوكية وراثية راسخة، بعد أن كان يتخذ فقط صورة الزعامة، والرئاسة القبلية " (٢٩). وبوفاة محمد بن عباد سنة ٤٣٣ هـ آل الأمر من بعده إلى ولده أبي عمرو عباد بن محمد الملقب المعتضد، وقد بدأ عصره بإجراءات قاسية أصابت العديد من الشخصيات البارزة ومنهم أعضاء مجلس الرئاسة الذي شكل في عهد والده، واعتمد


(٢٣) ابن بسام: ق ١ج ١: ٤٨٥، ابن الآبار، الحلة السيراء: ٢/ ٣٧، ابن الخطيب، أعمال الأعلام: ١٧٧.
(٢٤) ابن بسام: ق ٢ ج ١: ١٩، المراكشي: ٥٤.
(٢٥) استخدم العبيد والمرتزقة في قواته، وهيأ لهم العدة والسلاح اللازمين للتفوق على دويلات الطوائف الأخرى.
(٢٦) محمد بن عبود، التاريخ السياسي لإشبيلية: ٥٣.
(٢٧) يقال إن بني عباد أظهروا شخصاً يدعى خلف الحصري شبيه بالخليفة هشام المؤيد فادعوا أنه الخليفة هشام المؤيد. ينظر: ابن حزم، نقط العروس: ٢٥.
(٢٨) ابن بسام، ق ٢ ج ١: ١٧، ابن عذاري: ٣/ ١٩٨.
(٢٩) عنان، دول الطوائف: ٣٩.

<<  <   >  >>