للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المعروف أن الحضارة الأندلسية لم تنشأ فجأة، بل مرت في أدوار مختلفة، وخضعت لمؤثرات حضارية مشرقية تربطها بالوطن الأم باعتبارها جزءاً منه، كما خضعت أيضاً لمؤثرات حضارية محلية بحكم البيئة التي نشأت فيها (١٥).

ففي عصر الولاة كانت الأندلس تابعة للسيادة الأموية سواء في بلاد الشام أم في قرطبة، ولهذا كان من الطبيعي أن تتأثر بالمظاهر الحضارية الشامية جميعاً، وهو ما يسمى بالتقليد الشامي:

فمن الناحية الدينية، اعتنق الأندلسيون في هذه الفترة مذهب الإمام الأوزاعي (عبد الرحمن بن يحمد الأوزاعي ٨٨ - ١٥٧ هـ) (١٦)، الذي كان من المجاهدين الذين رابطوا في مدينة بيروت لصد غارات العدو البيزنطي البحرية، ولهذا اهتم مذهبه بالتشريعات الحربية وأحكام الجهاد، وهذا الاهتمام كان يناسب وضع الأندلسيين في هذه الفترة من حياتهم القائمة على حروب الجهاد، ولهذا اعتنقوا هذا المذهب.

وتختلف الروايات حول العالم الأول الذي نقل مذهب الأوزاعي إلى الأندلس فترجح بين القاضي الغرناطي أسد بن عبد الرحمن (توفى عام ١٥٠ هـ) وصعصعة بن سلام الشامي الأندلسي (توفى عام ١٩٢ هـ أو ٢٠٢ هـ) (١٧) أما الحياة الأدبية في الأندلس في هذا العصر فقد كانت صدى لحياة الشام الأدبية، فالشعر الذي قاله أشهر شعراء هذه الفترة -وقد ذكرنا بعضهم- كان يحاكي شعر الفرزدق والأخطل وجرير بالمشرق (١٨).

وإذا أخذنا بالتقسيم السياسي لعصر الإمارة ١٣٨ - ٣١٦ هـ حسب منهج الدكتور أحمد بدر (١٩)، وهو على الترتيب الآتي:

١ - عصر التأسيس ١٣٨ - ١٧٢ هـ/٧٥٦ - ٧٨٨ م (عصر عبد الرحمن الداخل).

٢ - عصر التوطيد ١٧٢ - ٢٠٦ هـ/٧٨٨ - ٨٢٢ م (عصر هشام الأول ١٧٢ - ١٨٠ هـ، وعصر الحكم بن هشام ١٨٠ - ٢٠٦ هـ).


(١٥) العبادي، المرجع السابق، ص ٣١٦.
(١٦) ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج ٣، ص ١٢٧.
(١٧) ابن الفرضي، تاريخ علماء الأندلس، ج ١، ص ٧٤ (رقم ٢٣٩) - الذهبي، العبر في خبر من غبر، ج ١، ص ٣٠٩.
(١٨) ينظر، ابن الآبار، الحلة السيراء، ج ١، ص ٣٧ - ٤٧ - السامرائي، " أثر العراق الحضاري على الأندلس "، ص ٦.
(١٩) دراسات في تاريخ الأندلس، ج ١، ص ٧٢ وما بعدها.

<<  <   >  >>