للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب الموطأ الذي يعني (السهل الواضح)، وقد ذاعت شهرة الإمام مالك في العالم الإسلامي، فأقبل الأندلسيون على اعتناق مذهبه في عهد الأمير هشام. وشاع هذا المذهب في الأندلس بعد أن استهوى الأمير هشام ومن حوله من الفقهاء ورواد الحديث، تاركين مذهب الأوزاعي. والروايات تعزو هذا التحول إلى الإعجاب المتبادل بين مالك والأمير هشام، هذا الإعجاب الذي جسده الفقهاء الأندلسيون تلاميذ مالك، دون أن يرى أحدهم الآخر (٢٢). بالإضافة إلى التعاطف بين الأمير هشام ومالك الناجم عن عداوة الاثنين للعباسيين، إذ ساند الإمام مالك ثورة محمد ذي النفس الزكية في المدينة عام ١٤٥ هـ ضد الخليفة العباسي المنصور، وقد أفتى مالك بجواز تحلل المسلمين من بيعة المنصور، ولذا لقي كبير عناء من العباسيين (٢٣).

كذلك لا يُنسى دور علماء الأندلس الذين رحلوا إلى الحجاز ودرسوا على يد الإمام مالك، فنقلوا مذهبه إلى الأندلس، وفي مقدمتهم أبو عبد الله زياد بن عبد الرحمن اللخمي (توفي عام ٢٠٤ هـ أو قبلها) والملقب بـ (شبطون) الذي أدخل مذهب مالك إلى الأندلس، وأخذه عنه يحيى بن يحيى الليثي (عاقل الأندلس) كما لقبه الإمام مالك.

وتذكر الروايات أن يحيى بن يحيى أخذ عن الإمام مالك بالذات وروى عنه الموطأ، وتعتبر روايته من أصح الروايات (٢٤). ويليه عيسى بن دينار الفقيه المشهور، وعبد الملك بن حبيب السلمي الذي أخذ من طبقة أصحاب مالك وعاد إلى الأندلس ليدون كتاب الواضحة (٢٥).

وتعلل الروايات أن الشبه الكبير بين طبيعة أهل المغرب والأندلس وطبيعة أهل الحجاز، من حيث البساطة، كان من أسباب انتشار المذهب المالكي في مغرب العالم الإسلامي. ولهذا إن عقلية أهل المغرب والأندلس كانت تغلب عليها نزعة أهل الحديث، وجانبوا نزعة أهل الرأي والقياس (مذهب أبي حنيفة) (٢٦).


(٢٢) إبراهيم بيضون، الدولة العربية في إسبانيا، ص ٢٢٤ - بروفنسال، حضارة العرب في الأندلس. ص ٤٣.
(٢٣) المسعودي، مروج الذهب، ج ٣، ص ٣٤٠ - ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٥٣٢.
(٢٤) ابن فرحون، الديباج المذهب، ج ٢، ص ٣٥٢ - عبد البديع، الإسلام في إسبانيا، ص ٤٠.
(٢٥) ابن الفرضي، المصدر السابق، ج ١، ص ٢٦٠ - ٢٧١ (رقم ٨١٦) - ج ١، ص ٢٠٣ (رقم ٦١٠)، ج ٢، ص ١٨٠ (رقم ١٥٥٦) - أحمد أمين، ظهر الإسلام، ج ٣، ص ٤٨ - ٤٩ أحمد بدر، المرجع السابق، ج ١، ص ١٧٣.
(٢٦) العبادي، المرجع السابق، ص ٣٢٦ - ٣٢٧ - أحمد أمين، المرجع السابق، ج ٣، ص ٢٩.

<<  <   >  >>