للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهري، الذي أحدث في الأندلس دوياً علمياً هائلاً بمذهبه الظاهري ومناظرته الفقهاء وأهل الأديان، وكان كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه (١٦٦).

إلا أن علم الفلسفة كان من العلوم الممقوتة في الأندلس على أيام الطوائف، ولا يستطيع صاحب هذا العلم إظهاره (١٦٧). وقد أحرق المعتضد أمير إشبيلية كتب ابن حزم الظاهري إرضاءً للمالكية وعلى رأسهم أبو الوليد الباجي (١٦٨). وكان لابن حزم تلاميذ عاشوا بعده وورثوا بعض علمه، ومنه الحس الفلسفي، ومن أشهرهم ولده (أبو رافع الفضل)، الذي اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد (١٦٩) ويبدو لنا من هذه الرواية أن المعتضد لم يحرق كتب ابن حزم كلها لأن أبا رافع هذا كان من رجال ولده المعتمد واستشهد في معركة الزلاقة عام ٤٧٩ هـ، وإن اضطهاد المعتضد لهذا العالم لم يكن في أغلب الظن علمياً بقدر ما هو اضطهاد سياسي (١٧٠). وهناك من لازم ابن حزم وأكثر الأخذ منه دون أن يتظاهر بذلك أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي (توفي عام ٤٨٨ هـ) صاحب كتاب (جذوة المقتبس)، ومن تلاميذه أيضاً الراضي بن المعتمد الذي أشرف على المذهب الظاهري وبرع في الأصول (١٧١)، ويبدو أن الفتن التي عصفت بملوك الطوائف شغلت ملوك قرطبة عن تعقب الفلاسفة ومحاكمتهم، ومع ذلك فقد بيعت المكتبات العامة والخاصة التي كانت تزين قصور قرطبة بأبخس الأثمان وتناولها الناس وقرأوا منها بعض بحوث الفلسفة. ولما أمن الناس أظهروا ما لديهم في الفلسفة من كتب وأخذوا يهتمون بالعلم الرياضي وصناعة المنطق، وكان المعتمد نفسه يصدق بالتنجيم (١٧٢).

ويظهر أن مملكة سرقسطة بالذات كانت مأوى وحامياً للفلسفة والفلاسفة في عهد المقتدر بن هود (٤٣٨ - ٤٧٣ هـ) وابنه يوسف المؤتمن (٤٧٣ - ٤٧٧ هـ) (١٧٣) وإلى بلاطهما


(١٦٦) ابن كثير، البداية والنهاية، ج ١٢؛ ص ٩٢ - عمر فروخ، ابن حزم، ص ١٦١ وما بعدها.
(١٦٧) المقري، نفح، ج ٦، ص ١٦٨.
(١٦٨) سعد إسماعيل شلبي. البيئة الأندلسية، ص ٤٧ (ح: ٨).
(١٦٩) ابن خلكان، وفيات، ج ٣، ص ١٣.
(١٧٠) السامرائي، علاقات، ص ٤٢٦ - ٤٢٧.
(١٧١) ابن الآبار، الحلة، ج ٢، ص ٧١ - معجم الأدباء، ج ١٨، ص ٢٨٢ وما بعدها.
(١٧٢) عبد الوهاب عزام، المعتمد بن عباد، ص ٢٧٧ - محمد عبد المنعم خفاجة، قصة الأدب في الأندلس، ج ١، ص ١٥٩ - ١٦٠.
(١٧٣) بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ص ٤٥٤.

<<  <   >  >>