للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الصخرة التي هي أعلى قمم جبال كنتبرية. وهكذا أصبح بلاي يشكل تهديداً خطيراً للمسلمين في الأندلس، وكان من الضروري أن تتخذ إزاءه إجراءات قوية (٣). وقد أدرك أهل الأندلس هذا الخطر في عهد الوالي عُنبسة بن سُحيم الكلبي (١٠٣ - ١٠٧ هـ/ ٧٢١ - ٧٢٦ م)، الذى أرسل حملة إلى هذه المنطقة للقضاء على المقاومة فيها. ولكن بلاي انسحب إلى المواقع الحصينة من الصخرة، وتحصن في مغارة كوفادونجا Govadonga، وتمكن من إحراز النصر على هذه الحملة وقتل الكثير من أفرادها (٤).

وفي عهد عقبة بن الحجاج السلولي (١١٦ - ١٢٣ هـ/٧٣٤ - ٧٤١ م)، الذي كان والياً حازماً وجه اهتمامه نحو الفتوح عبر جبال ألبرت والقضاء على المقاومة الاسبانية التي تركزت في جليقية، خرجت حملة إلى منطقة الشمال الغربي، وهاجمت منطقة جليقية.

وقد استطاع عقبة أن يفتتح كل قرية من قراها، لكنه لم يستطع السيطرة على الصخرة التي امتنع فيها بلاي مع الناجين من أنصاره. وكان عدد هؤلاء نحو ثلاثمئة رجل. وقد حاصر المسلمون هؤلاء حتى هلك الكثير منهم من الجوع، وظل على قيد الحياة نحو ثلاثين رجلاً وعشر نساء. ويقال إن هؤلاء الأفراد اقتاتوا فقط على العسل الذي كانوا يستخرجونه من بعض المناحل المتوفرة في شقوق الصخرة. وبعد أن أعيا المسلمين أمرهم، وصعوبة الوصول إليهم، تركوهم "وقالوا: ثلاثون علجاً ما عسى أن يكون أمرهم واحتقروهم ثم بلغ أمرهم إلى أمر عظيم" (٥).

والثابت على أي حال، كما يرى الدكتور حسين مؤنس (٦)، أن العرب والمسلمين لم يتركوا هؤلاء، لأنهم هُزموا من قبل بلاي، أو لأنهم احتقروهم لقلة عددهم، بل لأن الفاتحين انصرفوا في أول أمرهم في الأندلس إلى المنازعات التافهة فأضعفوا أنفسهم، وأعطوا لهؤلاء الرجال فرصة قيمة ليثبتوا مقاومتهم، ويتحولوا من مجموعة صغيرة مُطارَدَة إلى دولة مستقرة. وقد أدى انصراف العرب عن القضاء على هذه الدولة، إلى وضع جديد في شبه الجزيرة الآيبيرية، ملخصه وجود قوتين في البلاد، الأولى هي الدولة العربية الإسلامية، والثانية، هي القوى الاسبانية. واستمر الصراع بين الطرفين إلى أن انتهى في الأخير لصالح القوى الاسبانية، وخروج العرب من الأندلس بعد مضي نحو ثمانية قرون من دخولهم إليها.


(٣) انظر: فتح الاندلس، ص ٢٦؛ المقري (برواية ابن حيان) ج ٣، ص ١٧.
(٤) The Chronicle of Alfonso III, pp. ٦١٤-٦١٥.
(٥) أخبار مجموعة، ص ٢٨؛ ابن عذاري، ج ٢؛ ص ٢٩.
(٦) فجر الأندلس، ص ٣٣٩.

<<  <   >  >>