للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذات الأحواش الداخلية المزينة بالأزهار والورد ونافورات المياه، واشتهر الداخل بأنه كان يرسل بعض رجاله إلى المشرق لجلب أشجار الفاكهة من بلاد الشام (٣٨٧). وقد أدى هذا الاستقرار الاجتماعي إلى أن يفتح المجتمع الأندلسي عيونه على بواكير الحضارة المشرقية (٣٨٨).

وفي فترة الازدهار ٢٠٦ - ٢٧٣ هـ، تقدمت الأندلس في مجال الرقي الاجتماعي والحضاري، وقد ساعد على هذا رغبة أمراء هذه الفترة في الإصلاح والانفتاح أولاً، كما ساعد عليه كذلك ازدهار اقتصاديات الأندلس ثانياً. وقد أدى هذا الازدهار الاقتصادي إلى بروز مظاهر الترف والرفاه في حياة الأمراء وأقرانهم من أثرياء المجتمع الأندلسي على الأقل. ويتمثل هذا الترف في فتح أبواب الأندلس لتجارة العراق، فدخلته البضائع العراقية كالملابس وأدوات الزينة، وتذكر لنا بعض الروايات أن الأمير عبد الرحمن الأوسط اشترى من أحد التجار عقداً كان للسيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد بمبلغ عشرة آلاف دينار، وأهداه إلى زوجته (٣٨٩). وبالإضافة إلى مظاهر العيش الواسع للأمراء وكبار رجال الدولة الذي وفرته الأموال التي حصل عليها أفراد المجتمع الأندلسي، وانعكس هذا على شراء الجواري المشرقيات الحاذقات بالأدب وفنون الغناء كجواري الأمير عبد الرحمن الأوسط اللواتي جلبهن من بغداد (٣٩٠). وانعكس أيضاً على بناء عدة منى (جمع منية) وهي عبارة عن قصر ريفي في ضواحي المدينة ضمن حدائق غناء (٣٩١). كما جاءت هجرة زرياب إلى الأندلس عام ٢٠٦ هـ فأحدث في مجتمعها تغييراً كبيراً بما أدخله من عادات جديدة، وبما أشاعه من تقاليد راقية، وبما بعثه في المجتمع الأندلسي من روح التأنق والتجمل، بالإضافة إلى إشاعة الموسيقى والغناء وتأسيس أول مدرسة أندلسية لهذين الفنين (٣٩٢).


(٣٨٧) ينظر، ابن الآبار، الحلة السيراء، ج ١، ص ٣٧ - ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٦٠ - العبادي، في التاريخ العباسي والأندلسي، ص ٣١٨.
(٣٨٨) هيكل، الأدب الأندلسي، ص ٧٧.
(٣٨٩) ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٩١.
(٣٩٠) المقري، نفح، ج ١، ١٣٦ - ج ٤، ص ١٣٦.
(٣٩١) السامرائي، " أثر العراق الحضاري "، ص ١٣.
(٣٩٢) ينظر، ابن حيان، المقتبس، ج ٢، ص ٨٧ - المقري، نفح، ج ٤، ص ١١٨ - بروفنسال، حضارة العرب في الأندلس، ص ٤٨ وما بعدها - لين بول، قصة العرب في إسبانيا، ص ٧٩ - الحجي، تاريخ الموسيقى الأندلسية، ص ٣٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>