للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عصر الإمارة ١٣٨ - ٣١٦ هـ، فقد حدثت فيه تطورات اجتماعية مهمة، ففترة التأسيس ١٣٨ - ١٧٢ هـ (عصر الداخل) وفترة التوطيد ١٧٢ - ٢٠٦ هـ (عصر هشام والحكم)، تميزت بعدة ظواهر اجتماعية منها: كسر شوكة الأرستقراطية العربية، التي بدأ بها الأمير الداخل، وأحل محلها وحدة اجتماعية تشمل عصبية القبائل، وقد استخدم أمراء هذه الفترة الموالي بكثرة، واستعانوا بأقوام أعجمية في الجيش وبخاصة الصقالبة الذين أكثر منهم الأمير الحكم كما وضحنا. وفي هذه الفترة أيضاً برزت فئة المولدين وأصبح لها كيانها ومكانتها في المجتمع الأندلسي. ولا شك أن وجود مثل هذه الفئة قد زاد من الأكثرية الملمة بالأندلس، وصبغ الحياة الإسبانية بصبغة أكثر إسلامية وعروبة (٣٨٢). ولكن في الوقت نفسه زاد تمرد المولدين في هذه الفترة مما أحرج مركز الإمارة وكلفها الكثير، فتمردوا في مدينة ماردة عام - ١٩٠ هـ وفي مدينة طليطلة عام ١٨١ هـ، أي إنهم تمركزوا في مناطق الثغور لمناعتها العسكرية، وقد اجتمعت هذه الحركات على التخلص من حكم قرطبة مع إجماعها على كره العرب (٣٨٣)، كتيار شعوبي.

ومن مظاهر هذا العصر ظهور شخصية المرأة في مجال الفن، وهذا بداية التأثير الحجازي على الأندلس. فقد استقدم الداخل بعض الجواري المدنيات وأسس لهن بالقصر داراً عرفت بدار المدنيات، لأن أغلبهن كن في المدينة التي اشتهرت بفنون الموسيقى والغناء. وكان من هؤلاء المغنيات المدنيات: فضل وعلم والعجفاء. كما كانت الجارية قلم وأصلها إسبانية من سبي البشكنس، ولكنها أُدبت في المدينة، لها دور مميز في هذه الفترة وعملت في دار المغنيات مع صواحبها (٣٨٤). ويأتي بعدهما الثنائي الغنائي الحجازي (علون وزرقون) في عهد الأمير الحكم (٣٨٥).

وشهدت الأندلس في هذه الفترة بداية الترف الاجتماعي المتمثل في بناء المنيات (قصور ريفية) خارج قرطبة كقصر الرصافة الذي بناه الداخل على سفح جبل قرطبة، وكذلك القصر الذي بناه ابنه عبد الله في مدينة بلنسية وأطلق عليه إسم الرصافة أيضاً (٣٨٦). وقد حرص الداخل على جعل قرطبة صورة من دمشق في منازلها البيضاء


(٣٨٢) هيكل، الأدب الأندلسي، ص ٧٦.
(٣٨٣) بدر، دراسات، ج ١، ص ١٣٠ وما بعدها.
(٣٨٤) المقري، نفح، ج ٢، ص ١١٨ - كحالة، أعلام النساء، ج ٤، ص ٢١٩.
(٣٨٥) أيضاً، ج ٣، ص ١٣٠ - سالم، قرطبة، ج ٢، ص ٨٦.
(٣٨٦) بدر، دراسات، ج ١، ص ١٥٨.

<<  <   >  >>