للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجعلها ابنة لذريق، ويفهم من رواية ابن عذاري أنها بقيت على دينها (٣٧٦). ولكن يستبعد أن تبقى أم عاصم غير مسلمة، والأكثر قبولاً -إذا كان أمر هذا الزواج موثوقاً- أن زواجه بأرملة لذريق قد تم بعد إسلامها (٣٧٧). كما أشارت الروايات إلى أن أحد قواد الوالي وهو زياد بن نابغة التميمي تزوج إحدى بنات أمراء الإسبان أيضاً (٣٧٨). وربما حصل لكثير من رجالات الأندلس في هذا العصر أمثال هذه المصاهرات، إذا عرفنا أن فاتحي الأندلس دخلوها رجالاً دون نساء على العموم.

وحين بدأ عصر الإمارة عام ١٣٨ هـ كان الإسلام قد تثبتت أركانه بعد أن دخل الإسبان فيه، كما رأوا من سماحة الإسلام وحسن خلق أهله، ومن بقي على دينه (العجم أو المستعربون من النصارى) ارتضى حكم المسلمين، وقد أشاد الكثير من الباحثين الغربيين بسياسة الفتح العربي لإسبانيا وآثارها الاجتماعية التي حطمت سلطة الأشراف والطبقات العليا، وحسنت أحوال الطبقات الفقيرة (٣٧٩).

ومعنى هذا أن المجتمع الأندلسي في عصر الولاة أصبح يتألف من العرب (البلديون والشاميون) والبربر، والمسالمة المولدون والموالي (وهم موالي بني أمية من العرب والبربر وغيرهم) العجم أو المستعربون واليهود (٣٨٠). وقد عاشت جميع هذه الفئات تحت ظل راية الإسلام وتجمعها سماحة العرب في الحكم والنظم ببلد الأندلس، وساهمت في تطور نظمه الاجتماعية.

ومن الملاحظ أن الهجرات العربية إلى الأندلس انتهت بنهاية عصر الولاة، فلم يفد منهم إلى الأندلس بعد ذلك إلا أفراد أو بيوت أو جماعات قليلة. أما البربر فقد كان تيار هجرتهم متصلاً، بحكم الجوار أولاً، وبحكم الجاذبية الخاصة التي كانت للأندلس على بربر الشمال الإفريقي ثانياً، ولأسباب سياسية وعسكرية ثالثاً (٣٨١).


(٣٧٦) ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٢٤.
(٣٧٧) الحجي، التاريخ الأندلسي، ص ١٥٩.
(٣٧٨) ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٢٣.
(٣٧٩) ينظر، عنان، دولة الإسلام، ج ١، ص ٦٣ وما بعدها - الحجي، التاريخ الأندلسي، ص ١٧١ - سالم، تاريخ المسلمين، ص ١٣٠.
(٣٨٠) عن هذه العناصر وتكويناتها ينظر، سالم، تاريخ المسلمين، ١١٩ وما بعدها - ذنون، التنظيم الاجتماعي ٢ وما بعدها.
(٣٨١) مؤنس، فجر الأندلس، ص ٣٧٩.

<<  <   >  >>