للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجتمع الأندلسي (٣٩٥). كما أن حالة الفوضى التي عمت بلد الأندلس خلال هذه الفترة دفعت بعض النفوس إلى طلب الطمأنينة والبحث عن الأُنس في مجلس غناء أو حلقة سماع أو جماعة ندمان، هروباً من الحالة المتردية التي يعيشها المجتمع الأندلسي (٣٩٦).

بالإضافة إلى أن حالة التحضر الاجتماعي بقيت مستمرة في المجتمع الأندلسي خلال هذه الفترة، حتى في حالة اضطراب الحالة السياسية. وكان من المظاهر الاجتماعية لهذه الفترة تمزق المجتمع الأندلسي وانفصام عرى الوحدة بين أبنائه فنرى تكتل العرب في جهة، والإسبان تكتلوا أيضاً وكذلك البربر والمولدون، فبرزت فيهم زعامات تؤيد الفرقة وتذكي نار العنصرية (٣٩٧).

إلا أن هذا الأمر حسم في عصر الخلافة ٣٠٠ - ٤٢٢ هـ فقد استطاع عبد الرحمن الناصر أن يعيد إلى العرب في الأندلس وحدتهم، فقضى على كل الزعامات، وبرزت بصورة واضحة ظاهرة القومية الأندلسية.

فإذن الظاهرة الاجتماعية الأولى التي يمكن ملاحظتها هي وحدة المجتمع العربي في الأندلس، ومن ثم انصراف سكانه إلى العمل بجد ونشاط، فتكاثرت الأموال سواء للدولة أو للأفراد. مما أدى إلى أن يتأنق الأندلسيون حكاماً وشعباً في البناء. فبنى الناصر مدينة الزهراء ومدينة المرية وغيرها، وقد أطنبت الروايات التاريخية في وصف هذه المدن (٣٩٨). كما وصلت العاصمة قرطبة في هذه الفترة إلى أوج جمالها وأناقتها فازدحمت بالقصور والحدائق الغناء والنافورات الكثيرة والحمامات الوفيرة وغيرها (٣٩٩).

ومما يشير إلى الرخاء الاقتصادي في عصر الخلافة، تلك الهدايا الثمينة التي قدمها الوزراء إلى الناصر والحكم المستنصر، فهدية الوزير أحمد بن عبد الملك بن شهيد عام ٣٢٧ هـ إلى الخليفة الناصر وهدية الحاجب جعفر المصحفي إلى الخليفة الحكم المستنصر، تعتبران من أشهر الحوادث الاجتماعية في هذا العصر، وتدلان على رفاء المجتمع الأندلسي أيضاً (٤٠٠)، على الرغم من وضوح ظاهرة الاستغلال في جمعها.


(٣٩٥) ينظر، بدر، دراسات، ج ١، ص ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٣٩٦) ينظر، ابن حيان، المقتبس، ج ٣، الخاص بعصر الأمير عبد الله، ففيه نماذج بمثل هذه الأمور.
(٣٩٧) هيكل، الأدب الأندلسي، ص ١٢٢، ١٨١ - ١٨٢.
(٣٩٨) ينظر، ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٢٣١ - نجلة العزي، مدينة الزهراء.
(٣٩٩) سالم، قرطبة، ج ٢، ص ١٩ وما بعدها - سالم، تاريخ المسلمين، ص ٢٩٢ وما بعدها.
(٤٠٠) ينظر، ابن خلدون، العبر، ج ٤، ص ١٣٨، ص ١٤٤ - عنان، دولة الإسلام، ج ٢، ص ٤٦٠، ص ٥١٢.

<<  <   >  >>