للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زياً لهم تطاولاً على الناس وترفعاً (٤٤٣)، ومن هنا حتم ابن عبدون بأن اللثام لا بد أن يكون خاصاً بالصنهاجي أو اللمتوني أو اللمطي بالأندلس (٤٤٤).

وخلال الحكم المرابطي للأندلس تلوح لنا ظاهرة اجتماعية جديرة بالإشارة وهي ظاهرة المدجنين، أي الأندلسيين الذين بقوا في مدنهم تحت سيطرة الممالك الإسبانية.

هذه الممالك التي بدأت تسيطر على أهم قواعد الأندلس اعتباراً من عام ٤٧٨ هـ حيث سيطر ألفونسو السادس على مدينة طليطلة واتخذها عاصمة لمملكته. وتلا هذا التاريخ سيطرة الإسبان على قواعد أندلسية خلال الحكم المرابطي. وقد تعرض هؤلاء المدجنون إلى الاضطهاد والتنصير والإفناء بعد انتصار المرابطين في معركة الزلاقة عام ٤٧٩ هـ. وبمرور الزمن تعرضت هذه الجماعات إلى الانحلال والانقراض بتوالي الأجيال، وانقطاع الصلة بمواطن العروبة والإسلام، فأخذوا يفقدون الكثير من أخلاقهم وتقاليدهم ولغتهم. ومع ذلك فقد ظلت بقايا قليلة منهم، رغم الإرهاب، محتفظة بعروبتها حتى أواخر القرن السادس عشر الميلادي (٤٤٥).

وانضوت الأندلس تحت الحكم الموحدي القائم على الدين أيضاً، فسادت حياة الجهاد والخشونة على البلاد في البداية، وكرس خلفاء الموحدين جهودهم في إشاعة الأمن والاستقرار في ولاياتهم. ولما بلغ الخليفة عبد المؤمن عودة بعض الناس إلى مجالس الغناء والطرب أصدر مرسوماً عام ٥٥٦ هـ إلى ولاته بمطاردة هؤلاء وإزالة المنكرات (٤٤٦). وسار على نهجه ولده أبو يعقوب يوسف (٥٥٨ - ٥٨٠ هـ) فنعمت الأندلس في عهده بالاستقرار والهدوء، ووصف هذا الخليفة بالتدين ورغبته في الجهاد (٤٤٧)، وتوفي متأثراً بجراحه كما هو معروف. وفي عهد الخليفة المنصور (٥٨٠ - ٥٩٥ هـ) جاهر بالمذهب الظاهري وجعله المذهب الرسمي. وطارد علم الفروع، وحارب المذهب المالكي وعمل على إزالته من المغرب والأندلس (٤٤٨). وهذا الأمر رغم كونه عقائدياً، إلا أن له صفة إجتماعية تتعلق بمعتقدات الناس اليومية.

كما نشط هذا الخليفة بمطاردة مظاهر الفساد والفجور حتى أنه منع صنع الثياب


(٤٤٣) إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص ٤٦.
(٤٤٤) ثلاث رسائل أندلسية، ص ٢٨.
(٤٤٥) بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ص ٥٠٧ وما بعدها.
(٤٤٦) أبو رميلة، علاقات، ص ٤٣٠.
(٤٤٧) السعيد، الشعر في عهد المرابطين والموحدين، ص ٣١.
(٤٤٨) المراكشي، المعجب، ص ٣٥٤ - ٣٥٥.

<<  <   >  >>