للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - مشاركة القضاة في هذا العصر في أحداثه السياسية المهمة، وأفتوا بأمور خطيرة أقرتها دولة المرابطين. يتمثل هذا بدور قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الذي عبر إلى الأندلس وقابل أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وشرح له أحوال الأندلس، وما أصابها من حملة ألفونسو المحارب المدمرة عام ٥١٩ هـ بسبب استدعاء المعاهدين له، فأفتى بتغريبهم وإجلائهم من أوطانهم عقاباً لهم على هذا التآمر (٥٣١).

أخذ علي بن يوسف بهذه الفتوى، وصدر عهده إلى جميع بلاد الأندلس بتغريب المعاهدين إلى عدوة المغرب، فنفيت منهم جموع غفيرة في رمضان عام ٥٢١ هـ (٥٣٢).

٣ - في عام ٥٠٣ هـ صدرت أوامر علي بن يوسف بحرق كتب الغزالي وبخاصة كتاب إحياء علوم الدين، فتم إحراقها في المغرب والأندلس، واستمرت دولة المرابطين في سياستها هذه إلى آخر عهدها، حيث وجهت رسالة في عام ٥٣٨ هـ من قبل تاشفين ابن علي إلى أهل بلنسية، يحدد فيها مناط الفتيا ومصدر الأحكام وهو مذهب مالك، ومحاربة البدع وكتبها وبخاصة كتب الغزالي (٥٣٣). وقد استند الفقهاء في تبرير ذلك إلى احتواء كتاب الإحياء على علم الكلام والفلسفة. وهذا الأمر يدل على أن الدولة كانت خاضعة لسلطة الفقهاء، ويدل أيضاً على أن المذهب المالكي كانت له السيطرة على الجميع (٥٣٤). وربما كان ذلك بسبب ما وجد في كتاب الإحياء من هجوم على طبقة العلماء والفقهاء الذين يتخذون من العلم والدين مطية لتحقيق أطماع دنيوية من ثراء وجاه. وقد عارض بعض قضاة الأندلس عملية الإحراق هذه، ويأتي في مقدمتهم قاضي المرية أبو الحسن البرجي (٥٣٥).

٤ - كلفت الدولة المرابطية بعض قضاة الأندلس بمهمات سياسية ودبلوماسية كبيرة. فقد أرسل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين عبدَ الله بن محمد العربي المعافري


(٥٣١) ينظر، ابن عذاري، البيان، ج ٤، ص ٧٢ - ٧٣ - النباهي، المرقبة العليا، ص ٩٨ - ٩٩ - ابن فرحون، الديباج المذهب، ج ٢، ص ٢٤٨ ترجمة (رقم ٧٢).
(٥٣٢) ابن الخطيب، الإحاطة، ج ١، ص ١١٤.
(٥٣٣) ابن القطان، نظم الجمان، ص ١٤ - ١٥ - السامرائي، علاقات، ص ٤٣٠ - ٤٣١.
(٥٣٤) كنون، النبوغ المغربي، ج ١، ص ٧٦.
(٥٣٥) السامرائي، علاقات، ص ٤٣١.

<<  <   >  >>