للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها حتى خيل لعامة فرنسا -بعد رجوعه- آنذاك بأنه ساحر (٢)، وأصبح فيما بعد بابا روما باسم البابا سلفستر الثاني (٣٩٠ - ٣٩٤ هـ) وله دوره البارز في نشر علوم العرب في أوروبا (٣).

كما وجدت نسخة لاتينية من حكم بقراط كانت تستخدم في التدريس في مدينة شارتر بفرنسا عام ٣٨٢ هـ/٩٩١ م، فعللت هذه الظاهرة بوجود نفوذ عربي مبكر في فرنسا، لأن هذه النسخة كانت عن أصل عربي، ذلك لأن الغرب اللاتيني كان يجهل في هذا العصر جهلاً تاماً أي شيء من الأصول اليونانية لأعمال اليونان القدماء (٤).

ونستنتج افتراضاً من ظروف هرمان الكسيح (١٠١٣ - ١٠٣٤ م) وهو ابن أمير دالماسيا من أصل سويسري وقد كتب في الرياضيات والتنجيم عن تأثير الحضارة العربية الأندلسية. فهذا الأمير لظروفه المرضية لم يزر الأندلس، إلا أنه استفاد أولاً من ترجمات لأعمال عربية كالتي وجدت في شارتر أو التي عملت لجربرت، واستفاد ثانياً من الطلاب الأوروبيين العائدين من الأندلس والذين كانوا يمرون بدير (ريخناو) الذي يقيم به هرمان ويقضون فيه فترة قبل رجوعهم إلى بلادهم. وعن هؤلاء نقل هرمان كل ما جلبوه من الآلات الفلكية العربية وفي مقدمتها الاسطرلاب (٥).

وإذا كانت هذه الظواهر جهوداً فردية قام بها بعض الأفراد أو بعض الأديرة، فإن بعثات علمية أرسلت إلى الأندلس ذات طابع رسمي من قبل حكومات بعض الدول الأروبية.

أخذت البعثات الأوروبية تتوالى تترى على الأندلس بأعداد متزايدة سنة بعد أخرى حتى بلغت سنة ٣١٢ هـ في عهد الخليفة الناصر زهاء سبعمائة طالب وطالبة. وكانت إحدى هذه البعثات من فرنسا برئاسة الأميرة (اليزابث) ابنة خال الملك لويس السادس ملك فرنسا. وبعث فيليب ملك بافاريا إلى الخليفة هشام الثاني (توفي حوالي عام


(٢) ينظر، جلال مظهر، حضارة الإسلام، ص ٣٩٦ وما بعدها - عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي، ص ٥ - ٦ - رينو، غزوات العرب، ص ٢٩٦.
(٣) حيدر بامات، دور المسلمين في بناء المدنية الغربية، ص ٣٣ - السامرائي، الثغر الأعلى، ص ٨ - دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص ٣٨٥.
(٤) جلال مظهر، حضارة الإسلام، ص ٥٠١ - ٥٠٢.
(٥) هونكه، شمس العرب، ص ١٤٠ - سليم طه التكريتي: " أوروبا ترسل بعثاتها إلى الأندلس " مجلة الوعي الإسلامي، العدد ٣٧ (الكويت: ١٩٦٨)، ص ٩٢.

<<  <   >  >>