للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٠٣ هـ) بكتاب يطلب إليه أن يأذن له بإرسال بعثة من بلاده إلى الأندلس للإطلاع على مظاهر التقدم الحضاري فيها والاستفادة منها. فوافق الخليفة هشام، وجاءت بعثة هذا الملك برئاسة وزيره المدعو (ويلمبين)، الذي يسميه العرب (وليم الأمين) (٦).

وسار ملوك آخرون من أوروبا على هذا النهج، فقد أوفد ملك ويلز بعثة برئاسة ابنة أخيه كانت تضم ثماني عشرة فتاة من بنات الأشراف والأعيان، وقد وصلت هذه البعثة مدينة إشبيلية برفقة النبيل (سفيلك) رئيس موظفي القصر في ويلز الذي حمل رسالة من ملكه إلى الخليفة هشام الثالث (ويبدو أنه هشام المعتد بالله الذي خلع عام ٤٢٢ هـ)، وكان هدف هذه البعثة كما تقول الرسالة: " فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا ولأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ... " (٧). وقد استقبل خليفة الأندلس البعثة أحسن استقبال، ورد على رسالة ملك ويلز، وقد حظيت هذه البعثة باهتمام رجال الدولة الذين قرروا أن يتم الإنفاق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين (٨).

وقد كانت بعثة ملك بافاريا التي ترأسها وليم الأمين تتألف من (٢١٥) طالباً وطالبة وزعوا على جميع معاهد الأندلس لينهلوا من مواردها الثقافية. وتخبرنا الروايات بأن ثمانية من أفراد هذه البعثة اعتنقوا الدين الإسلامي ومكثوا في الأندلس ورفضوا العودة إلى بلادهم. ومن هؤلاء الثمانية ثلاث فتيات تزوجن بمشاهير من رجال الأندلس في ذلك الوقت وأنجبن عدداً من العلماء كان منهم عباس بن مرداس الفلكي (٩).

وفي الوقت نفسه عمد بعض ملوك أوروبا إلى استقدام علماء الأندلس لتأسيس المدارس ونشر ألوية العلم والعمران. ففي خلال القرن التاسع الميلادي وما بعده وقعت حكومات هولنده وسكسونيا وإنكلترا على عقود مع حوالي تسعين من الأساتذة العرب في الأندلس بمختلف العلوم، وقد اختير هؤلاء من بين أشهر العلماء الذين كانوا يحسنون اللغتين الإسبانية واللاتينية إلى جانب اللغة العربية، ووقعت تلك الحكومات


(٦) السامرائي، دراسات، ص ٣٨٦.
(٧) سليم طه التكريتي: " أوروبا ترسل بعثاتها إلى الأندلس "، ص ٩٠.
(٨) السامرائي، دراسات، ص ٣٨٦ - ٣٨٧.
(٩) سليم طه التكريتي: " أوروبا ترسل بعثاتها إلى الأندلس "، ص ٩٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>