للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شمال أفريقيا والأندلس. وتزعم المصادر اللاتينية، أن منوسة عقد الصلح مع الفرنجة، ووثق علاقته معهم، دون استشارة الوالي في قرطبة. ولهذا فبعد سماع الغافقي بالموقف المعادي لمنوسة، وبالعلاقات القائمة بينه وبين الدوق أودو، دوق أكيتانية، أرسل حملة عسكرية نجحت في القضاء على التمرد، وقتلت منوسة (٣٤).

وبعد أن نظم عبد الرحمن الغافقي البلاد، وقضى على الاضطرابات الداخلية، تهيأ لمجابهة تحدي الفرنجة وتهديدهم للحكم العربي الإسلامي في غالة القوطية. ويبدو أن عبد الرحمن الغافقي كان يختلف عمن سلفه من الولاة، فهو من طراز الفاتحين الذين يرسمون خطة الفتح الثابت المستقر. فمن جملة الأسباب التي دعته إلى استئناف الحملات على فرنسا، هو العمل على تأسيس وتثبيت موطئ قدم للمسلمين عبر جبال ألبرت، وتقوية قاعدة أربونة الإسلامية. ومن المحتمل أنه كان ينوي إسكان بعض البربر في منطقة الشمال الغربي من إسبانيا في المناطق المفتوحة في جنوب فرنسا. ويدل على هذا ما جاء في إحدى الحوليات المسيحية من أن المسلمين الذين عبروا إلى فرنسا كانوا بأعداد كبيرة، وقد اصطحبوا نساءهم وأطفالهم وممتلكاتهم المنقولة، مما يدل على أنهم كانوا ذاهبين للاستقرار هناك (٣٥).

اتخذ عبد الرحمن من مدينة بنبلونة قاعدة لتجميع الجند المتوجهين للجهاد معه إلى جنوب فرنسا. ثم عبر جبال ألبرت من ممرات رونشفالة Roncesvalles، أي أنه لم يسلك الطريق المحاذي للبحر الذي يؤدي إلى سبتمانية، بل سلك طريقاً في وسط الجبال يفضي مباشرة إلى قلب دوقية أكيتانية. ولكنه قبل أن يهاجم هذه الدوقية توجه مع فرقة من جنده نحو وادي رودنة لإعادة فتح مدينة آرل Arles التي شقت عصا الطاعة، وتوقفت عن دفع الجزية، فاسترجعها بعد معركة عنيفة (٣٦). ويظن بعض المؤرخين الافرنج أن حملة الغافقي على مدينة آرل لم تكن سوى خدعة قصد بها صرف نظر الفرنجة عن وجهة الحملة الحقيقية، وهي دوقية أكيتانية في الجهة الشمالية (٣٧). فلما سقطت هذه المدينة توجهت جيوش عبد الرحمن مباشرة نحو بوردو عاصمة دوقية


(٣٤) The Chronicle of ٧٥٤; pp. ١٥٥-١٥٦ (no. ٥٨) ; cf. Reinaud, op. cit., pp. ٢٧٢-٢٧٣.
( الترجمة العربية: تاريخ غزوات العرب، ص ٨٨ - ٨٩).
Abdal, op. cit., p. ٢٩.
(٣٥) ( ملحق أخبار مجموعة، رقم ٦)، Paul the Deacon, book, ٦. p. ١٦٧
(٣٦) عنان، دولة الإسلام في الأندلس، ج ١، ص ٩٠؛ فجر الأندلس، ص ٢٦٥.
(٣٧) تاريخ غزوات العرب، نقلاً عن رينو، ص ٩٩.

<<  <   >  >>