للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرحمن بن عبد الله الغافقي الأندلس سنة ١١٢هـ/ ٧٣٠ م، وهي ولايته الثانية. وكان قد تولى الأندلس، بعد عزل عذرة بن عبد الله الفهري عدة ولاة لم يقم أحدهم بعبور جبال ألبرت لاستئناف الفتح، وهم يحيى بن سلمة الكلبي وحذيفة بن الأحوص الأشجعي، وعثمان بن أبي نسعة الخثعمي، والهيثم بن عبيدة الكناني، ومحمد بن عبد الله الأشجعي، ولم تتجاوز مدة حكم كل من هؤلاء، باستثناء يحيى بن سلمة الذي حكم أكثر من سنتين، عدة شهور (٣١).

الفتوح في عهد عبد الرحمن الغافقي:

كان عبد الرحمن الغافقي من العرب البلديين، أي الذين دخلوا الأندلس مع حملتي طارق وموسى واستقروا فيها. وهو من القادة الأكفاء الذين ساهموا في حملات الفتح في جنوب فرنسا، وقاد المسلمين بسلام إلى الأندلس بعد استشهاد السمح بن مالك في معركة طولوشة. ويبدو من إجماع عرب الأندلس على تقديره أنه كان نزيهاً مؤمناً سليم الإيمان، حريصاً على تطبيق الشريعة فيما يخص توزيع الغنائم على الجنود (٣٢). وكان عبد الرحمن يعد من التابعين، ومن رواة الحديث النبوي الشريف، فقد ورد في ترجمته أنه روى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (٣٣)، ولهذا كان محل احترام صلحاء المسلمين، فضلاً عن جنده، لعدالته في تقسيم الغنائم، وعدم رغبته في حطام الدنيا. ومما يؤسف له أننا لا نجد معلومات مفصّلة عن عبد الرحمن وعهده في المصادر العربية، وكل ما هناك أخبار مقتضبة عن حملته على جنوب فرنسا، ولعل السبب في ذلك يعود إلى الهزيمة التي حلت بالمسلمين في معركة بلاط الشهداء، فاكتفت المصادر العربية بالإشارات الموجزة العابرة إلى هذا القائد والمعركة الأليمة التي خسرها المسلمون. ومن جهة أخرى تسهب المصادر المسيحية في الحديث عنه، وعن الحملة التي قادها إلى فرنسا، كما تشير أيضاً إلى توتر العلاقات بين عبد الرحمن الغافقي، والقائد البربري المسلم، منوسة، الذي كان يحكم في منطقة شرطانية في الشمال. فقد أعلن هذا الأخير التمرد على السلطة، بعد ازدياد التوتر بين العرب والبربر في كل من


(٣١) ابن القوطية، ص ١٣؛ أخبار مجموعة، ص ٢٤ - ٢٥؛ ابن عذاري، ج ٢، ص ٢٧ - ٢٨، ٤٩.
(٣٢) ابن عبد الحكم، ص ٢١٦ - ٢١٧؛ الحميدي، جذوة المقتبس، القاهرة، ١٩٦٦، ص ٢٧٤؛ ابن الأثير، ج ٥، ص ١٧٤ - ١٧٥.
(٣٣) الحميدي، ص ٢٧٤؛ الضبي، بغية الملتمس، ص ٣٥٢ - ٣٥٣.

<<  <   >  >>