للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تسمى بحولية أزيدور الباجي، المعاصرة لتلك الحقبة، والتي تتميز بعدم تحيز مؤلفها وموضوعيته في سرد الأحداث.

لا تذكر المصادر العربية أية أعمال حربية أو فتوح لعذرة بن عبد الله الفهري. وهذا أمر طبيعي لأن مدة ولاية عذرة كانت قصيرة جداً (شعبان ١٠٧ - شوال ١٠٧ هـ/ كانون الثاني ٧٢٦ - آذار ٧٢٦ م). أما المصادر المسيحية فتنسب إليه القيام بأعمال حربية خطيرة، فتذكر أن النجدات جاءت من الأندلس إلى عذرة بعد توليه القيادة، فاستعرت الحرب من جديد، وأخذ المسلمون يوجهون حملاتهم نحو كل صوب. واتسمت هذه الحملات، على حد زعم رينو Reinaud، بالدمار والتخريب والعيث في المناطق التي توجهت إليها (٢٩). وهذه الروايات ملأى بالمبالغات عما تسميه مساوئ العرب والمسلمين ومظالمهم التي أنزلوها بهذه النواحي. فليس من المعقول أن المسلمين لم يفعلوا في جنوب فرنسا غير التخريب وحرق الأديرة والكنائس، بينما الثابت عنهم أنهم لم يفعلوا هذه الأمور قبل ذلك في أثناء تحريرهم للعراق وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا وإسبانيا، وكل هذه الأماكن كانت غاصة بالأديرة والكنائس. فما الذي حصل حتى غيّر المسلمين وقلب حالهم ومعاملتهم للشعوب المفتوحة في جنوب فرنسا؟ الواقع لم يحصل شيء، ولم يتغير المسلمون، ولكن حقد المؤرخين المسيحيين المتعصبين هو الذي صوّر لهم نسبة كل حرق وتخريب حصل في المنطقة إلى المسلمين، علماً أن العصر كله كان عصر فوضى واضطراب وحروب بين النصارى أنفسهم في هذه الجهات من غالة على وجه الخصوص. " وإذا نحن قارنّا المسلمين "، على حد تعبير أحد الكتّاب العرب المنصفين، " بالشعوب التي كانت تسود غالة في ذلك الحين، من فرنجة وقوط غربيين وقوط شرقيين وبرغنديين ومن إليهم، لتبينا أن المسلمين كانوا أعظمهم حضارة وأبعدهم عن النهب والتخريب. ومهما بحثنا في حوليات ذلك العصر فلن نجد بين من ظهروا على مسرح الحوادث في غالة خلال النصف الأول من القرن الثامن الميلادي رجالاً نستطيع أن نقارنهم بالسمح بن مالك أو عنبسة بن سحيم أو عبد الرحمن الغافقي " (٣٠).

وعلى أية حال، فلا يمكن أن تكون الحملات والنشاط الحربي للمسلمين في هذه الحقبة إلا سلسلة من الجهود التي قام بها المستقرون منهم في منطقة سبتمانية من أجل تثبيت أقدامهم في هذه الجهات. أما الجهاد والفتح الحقيقي فلم يبدأ إلا بتولي عبد


(٢٩) تاريخ غزوات العرب، ص ٧٣ - ٧٧.
(٣٠) فجر الأندلس، ص ٢٥٨ - ٢٥٩.

<<  <   >  >>