للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشاميون:

وهؤلاء بالأصل من القبائل العربية التي كانت ساكنة في بلاد الشام، أرسلها الخليفة الأموي، هشام بن عبد الملك، إلى شمال أفريقيا للقضاء على تمرد البربر هناك. وكان هؤلاء الشاميون بقيادة كلثوم بن عياض القشيري، ويبلغ عددهم نحو ثلاثين ألف رجل.

وقد استطاع البربر أن يهزموهم، ويقتلوا قائدهم كلثوم مع العديد من القواد الآخرين في معركة بقدورة بالقرب من نهر سبو (١٢٤ هـ/٧٤١ م). أما الناجون من الشاميين، فقد توجهوا بقيادة بلج بن بشر، ابن أخي كلثوم، إلى جهة المغرب، حيث دخلوا مدينة سبتة وتحصنوا فيها. وقد حاصرهم البربر لمدة بضعة أشهر، وخربوا المناطق المحيطة بالمدينة، وأقفروا ما حولها مسيرة يومين، حتى كاد بلج وأتباعه الذين كانوا يبلغون نحو عشرة آلاف رجل، أن يهلكوا من قلة موارد العيش. وأصبحت حالتهم في سبتة تعيسة للغاية، فاضطروا إلى أكل دوابهم، وأضحوا على شفا الموت جوعاً (٦٨).

وكانت الأندلس في تلك الأثناء يحكمها الوالي عبد الملك بن قطن الفهري. وقد التمس بلج بن بشر عدة مرات من عبد الملك بن قطن، أن يسمح له ولرجاله بالعبور إلى الأندلس، ولكن الأخير امتنع عن السماح للقادمين الجدد بالدخول، ورفض طلب بلج، وكان عبد الملك بن قطن وكبار رجال البلديين، يخشون من دخول الشاميين واحتمال قيام بلج بن بشر بإبعاد عبد الملك عن ولاية الأندلس، التي كانوا يعدونها، كما أسلفنا، بلدهم الخاص بهم، ولا يسمحون باستقرار عشرة آلاف رجل آخر في أراضيهم التي افتتحوها بأنفسهم. وهكذا رفض عبد الملك بن قطن كل التماسات أهل الشام، كما منع إرسال أية تموينات إليهم، وعاقب بقسوة أولئك الذين تجرأوا على شحن الأطعمة للشاميين (٦٩).

لكن تطور الأحداث في الأندلس ذاتها، اضطر عبد الملك بن قطن إلى تغيير رأيه. فقد أثرت أحداث شمال أفريقيا على الأندلس، وقام البربر بالتمرد على العرب في هذه الولاية أيضاً. وعندما فشلت قوات عبد الملك الخاصة بالقضاء على هذا التمرد، أيقن أنه لا خيار له من أجل التغلب على البربر، إلا بالسماح بدخول الشاميين إلى الأندلس. فعقد معهم اتفاقاً، كان على الشاميين بموجبه أن يسلموا إليه عشرة


(٦٨) أخبار مجموعة، ص ٣٥، ٣٧؛ ابن عذاري: ١/ ٥٥ - ٥٦، ج ٢، ص ٣٠؛ المقري: ٣/ ٢٠.
(٦٩) أخبار مجموعة، ص ٣٨؛ المقري: ٣/ ٢٠.

<<  <   >  >>