للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه قد تم الاستيلاء عليها نتيجة معاهدات صلح عقدت بين العرب وأهل البلاد. ولكن يبدو من الواضح في زمن الوالي أبي الخطار، أن السكان المحليين كانوا يمتلكون معظم هذه المناطق. وكان البلديون، بطبيعة الحال، قد افتتحوا بعض هذه المناطق عنوة، ولكن من المحتمل جداً أن السكان المحليين استمروا في الاحتفاظ ببقية هذه الأراضي.

ويعود هذا إلى قلة عدد المسلمين الفاتحين الأوائل، وإلى حصانة مواقع بعض هذه الأماكن. ولكن وصول الشاميين غير ميزان القوى في البلاد لصالح المسلمين، ومن هنا فلم تكن هناك مشكلة أمام أبي الخطار لإنهاء اتفاقية عبد العزيز - تدمير في منطقة مرسية، ولتوزيع أجزاء من الأراضي التي كانت ما تزال بيد السكان المحليين على الجنود الشاميين في الكور المذكورة أعلاه، والتي أصبحت منذ ذلك الوقت تسمى بالكور المجندة. وكانت تنظيمات أبي الخطار تنص أن يكون للشاميين ثلثا الأراضي والمزارع التي يستقرون فيها، ويبقى الثلث الآخر للسكان المحليين الذين استمروا في الزراعة والعمل على ازدهار قراهم وأراضيهم (٧٣).

لم يكن الشاميون مطالبين بالقيام بأية التزامات أخرى ما عدا الخدمة في الجيش، والاستعداد للجهاد عند الحاجة. وكانوا معفين من أداء العشور على الأراضي التي يقيمون عليها، بينما كان يتوجب على البلديين، وبقية المسلمين الآخرين دفع هذه الضريبة. وفي العهود اللاحقة، أثناء فترة الإمارة وعصر الخلافة، حصل الشاميون على امتيازات أخرى على حساب البلديين، الذين ابتدأوا يفقدون بالتدريج سيادتهم الأولى منذ دخول الشاميين إلى الأندلس (٧٤). وكان هؤلاء الشاميون يتألفون من ثمانية آلاف عربي، ونحو ألفين من الموالي. وينتمي العرب إلى مختلف عشائر اليمن وقيس ومضر وربيعة. أما الموالي فكانوا ينتمون إما إلى أصول بيزنطية، أو بربرية وشمال افريقية. وقد أصبح هؤلاء الموالي الذين دخلوا مع الشاميين يُسمّون بالموالي الشاميين، بينما أطلق على الآخرين الذين دخلوا مع البلديين اسم الموالي البلديين. وبما أن الكثير من موالي المجموعة الأولى كانوا على اتصال وثيق بالأسرة الأموية الحاكمة، فقد عرفوا أيضاً باسم موالي بني أمية (٧٥). وقد تركز استقرار هؤلاء الموالي في كورتي البيرة وجيان، ومما يدل


(٧٣) انظر: الحميري، ص ٣٦؛ الإحاطة: ١/ ١٠٢، ١٠٣، ١٠٧.
(٧٤) المصدر نفسه: ١/ ١٠٤ - ١٠٥.
(٧٥) انظر: ابن حيان، المقتبس، تحقيق: محمود علي مكي، ص ١٩٦، ١٩٧،
ابن الآبار، الحلة السيراء، ١/ ٢٠١؛ أخبار مجموعة، ص ٦٦، ٧٠، ٧١، ٨٢، ٨٦، ٨٧، ٩١، ٩٢.

<<  <   >  >>