للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سراح أبي عثمان، الذي أسر في الهجوم على قرطبة (٢٩). ثم عاد الجميع إلى العاصمة، وسارت الأمور على خير ما يرام لفترة من الزمن، وعامل عبد الرحمن الجميع بلطف وكرم. وقد حاول بعض أعداء الوالي السابق مطالبته بحقوق لهم عنده أثناء ولايته، وادعوا أنه قد استولى هو والصميل على أراضيهم وممتلكاتهم، وطالبوا بمقاضاتهما أمام القاضي يزيد بن يحيى التجيبي. وكان هؤلاء يحسبون أن القاضي سيتحيز ضدهما، ولكنه تمالك نفسه، ولم يقض في أمرهما إلا بالحق، وأظهر براءتهما، فظلا مشمولين برعاية وإكرام الأمير (٣٠).

ولكن الأمور لم تستمر على هذا المنوال، لأن الوضع الجديد في قرطبة لم يحظ بتأييد الكثير من الأسر القرشية من بني فهر وبني هاشم، الذين كانوا يتولون في العهد السابق أرفع المناصب في البلاد. وقد تحولت هذه المناصب الرئيسة إلى موالي الأمير، وأقربائه الذين جاءوا من المشرق، مثل عبد الملك بن عمر بن مروان، المعروف بالمرواني، وابنه عبد الله، وجزيء بن عبد العزيز بن مروان. ومن هنا، فقد بدأت الجماعات المتضررة بتحريض يوسف الفهري على الأمير الجديد. وقد أذعن يوسف لضغطهم، وحاول أن يستميل الصميل والأجناد الشاميين، لكنه فشل في حملهم على الاشتراك معه في التمرد على النظام الجديد. وعلى الرغم من هذا، فقد فر يوسف من قرطبة واستطاع أن يغري بعض البلديين والبربر في لقنت وماردة وطليطلة، فثاروا في هذه النواحي سنة ١٤١ هـ/٧٥٨ م. وقد حاول يوسف أن يستولي على مدينة إشبيلية التي كانت تحكم من قبل ابن عم الأمير عبد الرحمن، عبد الملك المرواني. ولكنه ما أن سمع بقدوم جيش عبد الرحمن إليه، حتى رفع الحصار عن إشبيلية، ومضى للقاء عبد الرحمن. وقد لاحق المرواني، وابنه عبد الله، حاكم مورور، يوسف، الذي خشي أن يقع بين كل من جيش عبد الرحمن، وجيش المرواني وابنه، فهاجم الجيش الأخير، وأسفرت المعركة عن هرب رجال يوسف، وفراره هو أيضاً إلى طليطلة. ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى هذه المدينة والالتجاء إلى قريبه هشام بن عروة الذي كان عاملاً عليها. فقد استطاع أحد أبناء الأنصار، ويدعى عبد الله بن عمر الأنصاري، أن يتعرف عليه ويقتله على الطريق على بعد ستة كيلو مترات من طليطلة. ثم أقبل عبد الله الأنصاري برأس يوسف على الأمير عبد الرحمن، فأمر بقتل أبي زيد بن يوسف، وأبقى الابن الآخر في السجن لصغر سنه. ولما كان أحد أبناء الصميل مشتركاً في هذه المؤامرة، فإن عبد الرحمن لم يكن ليصدّق بأن


(٢٩) أخبار مجموعة، ص ٩٣ - ٩٤.
(٣٠) المصدر نفسه، ص ٩٤ - ٩٥.

<<  <   >  >>