للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم حالقاً وناحراً هديه، علم الصحابة يقيناً حينئذ انقضاء رجائهم، وتحقق الأمر، فاستجابوا مباشرة عند ذلك لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فحلقوا رؤوسهم ونحروا هديهم دون تردد منهم فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (١٨)} [الفتح: ١٨].

ثالثاً: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يعارض قرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلح، بل كان يتباحث معه ويشاوره في أمر الأمة، مثلما كانت عادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مشاورته للصحابة وخاصة الكبار منهم، حيث إن المشاورة سنة يمتثلها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه بأمر من الله عز وجل، لما جاء في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩].

قال أبو جعفر الطبري:

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمرَ نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألُّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرةَ التي يُؤْمَنُ عليه معها فتنة الشيطان وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزُبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - يفعله.

فأما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن الله كان يعرِّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صوابَ ذلك. وأما أمته، فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادُقٍ وتأخٍّ للحق، وإرادةِ (١).


(١) تفسير جامع البيان: (٧/ ٣٤٥).

<<  <   >  >>