للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقاتل وينفق إلا بعد ذلك، كما هو مقتضى الحكمة، ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة، غالبهم أسلم قبل الفتح، ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله، ثم حث على النفقة في سبيله، لأن الجهاد متوقف على النفقة فيه، وبذل الأموال في التجهز له (١)

وقال محمد السبزواري النجفي:

{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ} أي: لا يتساوى {مَنْ أَنْفَقَ} من ماله في سبيل الله {مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الكفار، فإن {أُولَئِكَ} الفاعلين لذلك {أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} أي: بعد فتح مكة أعزها الله، فالنفقة على جيش الإسلام مع الجهاد قبل فتحها، أعظم ثواباً عند الله من النفقة والجهاد بعده {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي: وعد هؤلاء وهؤلاء بالجنة وإن تفاضلوا في درجاتها {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)} أي أنه عليم بكل ما تفعلونه ولا يخفى عليه شيء من حالكم ومقالكم وإنفاقكم وجهادكم، بل هو أعلم بجميع تصرفاتكم ونياتكم) (٢).

وقد حكم الله تبارك وتعالى لمن وعد بالحسنى بالجنة بقوله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)} [الأنبياء: ١٠١].


(١) تيسير الكريم المنان (١/ ٨٣٨).
(٢) تفسير الجديد، وانظر: تفسير الصافي، شبر، مقتنيات الدرر، الجوهر الثمين: في تفسير (سورة الحديد: ١٠).

<<  <   >  >>