للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات، ولهذا قال: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ أي: خرجوا معه لقتال الأعداء في وقعة تبوك وكانت في حر شديد، وضيق من الزاد والركوب، وكثرة عدو، مما يدعو إلى التخلف، فاستعانوا الله تعالى، وقاموا بذلك {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} أي: تنقلب قلوبهم، ويميلوا إلى الدعة والسكون، ولكن الله ثبتهم وأيدهم وقواهم. وزَيْغُ القلب هو انحرافه عن الصراط المستقيم، فإن كان الانحراف في أصل الدين، كان كفرا، وإن كان في شرائعه، كان بحسب تلك الشريعة، التي زاغ عنها، إما قصر عن فعلها، أو فعلها على غير الوجه الشرعي.

وقوله {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} أي: قبل توبتهم {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ومن رأفته ورحمته أن مَنَّ عليهم بالتوبة، وقبلها منهم وثبتهم عليها. (١).

وقال محمد تقي المدرسي:

لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} توبة الله على النبي تعني المزيد من بركاته عليه، ولكن بالنسبة إلى المهاجرين والأنصار قد تعني أيضاً غفران ذنوبهم، ولكن بماذا وكيف غفرت ذنوبهم؟ بأنهم اتبعوا الرسول في ساعات الشدة، ولأن ذلك كان عملاً كبيراً والله سبحانه يغفر بسبب الحسنات الكبيرة الذنوب الصغيرة، لذلك أكدت الآية على هذه الحقيقة {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} فالصبر في ساعة العسرة عمل عظيم يغفر الله تعالى بسببه سائر الأعمال الصغيرة) (٢).


(١) تيسير الكريم المنان: (١/ ٣٥٤).
(٢) تفسيرمن هدي القرآن، وانظر: تفسير الجديد، من وحي القرآن (سورة التوبة: ١١٧).

<<  <   >  >>