صفوف المسلمين ويضعف قوتهم، فكان الذي تولى كبر هذا الأمر الشنيع ورفع راية ذلك المكر الخبيث، عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أثار الناس ابتداءً بالخروج لقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وبعد ذلك قام بالكذب على لسان الإمام علي - عليه السلام -، ونسب إليه جملة من الأقوال والمعتقدات اليهودية، وروجها وأشاعها بين كثير من قاصري النظر وضعاف الإيمان ومحبي الفتن.
ولما تطاير شرر هذه البدع الخطيرة بين الناس، وزين الشيطان لهم سوء أعمالهم، تناهت أقوالهم إلى سمع وعلم أمير المؤمنين علي - عليه السلام -، فغضب ولم يتهاون ولم يغض الطرف عن هذه المقولات الشنيعة، فما كان منه إلا أن حفر الأخاديد وأشعل فيها النيران وهدد بإحراق كل من لم يتراجع عن هذا الافتراء الخطير، فأحرق منهم عدداً، وأجلى قوماً آخرين.
وقد نقل المجلسي في بحاره أن رجلاً قال لأمير المؤمنين - عليه السلام -: (إن على باب المسجد قوماً يزعمون أنك ربهم! فدعاهم فقال: ويلكم! إنما أنا عبد الله مثلكم، آكل الطعام، وأشرب الشراب، فاتقوا الله وارجعوا.
فأتوه في اليوم الثاني والثالث، فقالوا مثل ذلك، فقال لهم - عليه السلام -: والله إن تبتم وإلا قتلتكم أخبث قتلة، فدعا قنبراً وأتى بقدوم، وحفر لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر فدعا بالحطب فطرحه والنار فيه، وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعون! فأبوا فقذف بهم فيها حتى احترقوا. وقال بعض أصحابه: لم يحرقهم، وإنما أدخن عليهم. ثم قال - عليه السلام -:
لما رأيت الأمر أمر منكرا... أوقدت ناري ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حفراً وحفرا... وقنبر يحطم حطماً منكرا (١)