للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى، فتجنّ ما بدا لك، والسلام) (١).

فلما نشب القتال بين صفوف المسلمين، وسالت الدماء فيما بينهم، انتهت المعركة برفع جيش معاوية - رضي الله عنه - المصاحف، طالبين التحكيم فيما بينهم بما يرضي الله عز وجل، فرضي خليفة المسلمين علي - عليه السلام - بهذا الطلب ورجع إلى الكوفة، ورجع معاوية - رضي الله عنه - إلى الشام بشروط اتفق عليها الطرفان.

وقد قصّ أمير المؤمنين علي - عليه السلام - للأمصار ما جرى بينه وبين أهل صفين، فقال: (وكان بدء أمرنا أنَّا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء) (٢).

ولم يكن الأمر سرّاً، أو ما جرى بين الصحابة في صفين في خفاء عن المسلمين، أو عن أحد من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل كان الحدث جلياً معلوماً تتداوله ألسنة الأئمة فيما بينهم. فقد روى الإمام جعفر الصادق عن أبيه: أن علياً - عليه السلام - كان يقول لأهل حربه: (إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكن رأينا أنَّا على الحق ورأوا أنهم على الحق) (٣).

إن تلك الخلافات والفتن التي حدثت بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قتال فيما بينهم، مع بغي أحدهم على الآخر، وما حصل بينهم بعد ذلك من إصلاح وتحكيم بما يرضي الله عز وجل، ثم قبول كل من الطرفين بهذا الحكم، إنما يذكرنا بقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ


(١) نهج البلاغة: (ص: ٣٦٦)، بحار الأنوار: (٣٣/ ٧٦).
(٢) نهج البلاغة: (ص: ٤٤٨)، بحار الأنوار: (٣٣/ ٣٠٦).
(٣) قرب الإسناد: (ص: ٤٥)، بحار الأنوار: (٣٢/ ٣٢٤).

<<  <   >  >>