والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان سواء فاعتبروا يا أولي الأبصار، ألم تروا إلى هذه الأعوام تتجدد عامًا بعد عام، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد، ثم تمر به الأيام سراعًا فينصرم العام كلمح البصر، فإذا هو في آخر العام وهكذا عمر الإنسان يتطلع إلى آخره تطلع البعيد فإذا به قد هجم عليه الموت {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[ق: ١٩] ربما يؤمل الإنسان بطول العمر، ويتسلى بالأماني، فإذا بحبل الأمل قد انصرم، وبناء الأماني قد انهدم.
أيها الناس: إنكم في هذه الأيام تودعون عامًا ماضيًا شهيدًا، وتستقبلون عامًا مقبلًا جديدًا، فليت شعري ماذا أودعتم في العام الماضي وماذا تستقبلون به العام الجديد، فليحاسب العاقل نفسه ولينظر في أمره فإن كان قد فرط في شيء من الواجبات فليتب إلى الله وليتدارك ما فات وإن كان ظالمًا لنفسه بفعل المعاصي والمحرمات فليقلع عنها قبل حلول الأجل والفوات، وإن كان ممن منّ الله عليه بالاستقامة فليحمد الله على ذلك وليسأله الثبات عليها إلى الممات.
إخواني: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، وليست التوبة مجرد قول باللسان من غير تخلٍّ، إنما الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وإنما التوبة ندم على ما مضى من العيوب وإقلاع عما كان عليه من الذنوب وإنابة إلى الله بإصلاح العمل ومراقبة علام الغيوب، فحققوا أيها المسلمون الإيمان والتوبة فإنكم في زمن الإمكان.