أيها المسلمون: إن من حماية الله لهذه الأمانة أن حرم على عباده كل ما يكون سببًا لضياعها أو نقصها فحرم الرشوة وهي بذل المال للتوصل به إلى باطل إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه أو إعفائه مما هو حق عليه يقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: ١٨٨] ويقول سبحانه في ذم اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}[المائدة: ٤٢] والرشوة من السحت كما فسر الآية به ابن مسعود وغيره وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الراشي والمرتشي» ، وفي لفظ «لعنة الله على الراشي والمرتشي» ، وهذا إما خبر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو دعاء على الراشي والمرتشي بلعنة الله وهي الطرد والإبعاد من رحمة الله كما لعن الشيطان فطرد وأبعد عن رحمة الله عز وجل.
أيها المسلمون: إن لعنة الله ورسوله لا تكون إلا على أمر عظيم ومنكر كبير وأن الرشوة لمن أكبر الفساد في الأرض لأن بها تغيير حكم الله وتضييع حقوق عباد الله وإثبات ما هو باطل ونفي ما هو حق، إن الرشوة فساد في المجتمع وتضييع للأمانة وظلم للنفس يظلم الراشي نفسه ببذل المال لنيل الباطل ويظلم المرتشي نفسه بالمحاباة في أحكام الله يأكل كل منهما ما ليس من حقه ويكتسب حرامًا لا ينفعه بل يضره ويمحق ماله أو بركة ماله إن بقي المال.
إن الرشوة تكون في الحكم فيقضى من أجلها لمن لا يستحق أو يمنع من يستحق أو يقدم من غيره أحق بالتقديم وتكون الرشوة في تنفيذ الحكم