للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلَيْهِمْ بِأَنْوَاعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَسَلَّاهُمْ بِمَا أَعْطَاهُمْ مما هو أعظم خَطَرًا مِمَّا فَاتَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالْغَنِيمَةِ، وَعَزَّاهُمْ عن قتلاهم لِيُنَافِسُوهُمْ فِيهِ، وَلَا يَحْزَنُوا عَلَيْهِمْ، فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وعز جلاله.

فصل ولما انقضت الحرب، وانكفأ المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة، فشق ذلك عليهم، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " اخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَاذَا يُرِيدُونَ، فَإِنْ هم جنبوا وامتطوا الْإِبِلَ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لئن أرادوها، لأسيرن إليهم، ثم لأناجزهم فِيهَا "، قَالَ علي: فَخَرَجْتُ فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ، فَجَنَّبُوا الْخَيْلَ، وَامْتَطَوُا الْإِبِلَ، وَوَجَّهُوا إِلَى مَكَّةَ وَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى مَكَّةَ أَشْرَفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أبو سفيان ثُمَّ ناداهم: موعدكم الموسم ببدر. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قولوا: نعم " ثم انصرفوا.

فلما كانوا ببعض الطريق تلاوموا فيما بينهم، فقالوا: أصبتم شوكتهم، ثم تركتموهم يجمعون لكم، فارجعوا نستأصلهم، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَى فِي النَّاسِ، وَنَدَبَهُمْ إِلَى الْمَسِيرِ، وَقَالَ: " لَا يَخْرُجْ مَعَنَا إلَّا مَنْ شَهِدَ القتال "، فاستجاب له المسلمون على ما بهم، فاستأذنه جابر لحبس أبيه إياه، فأذن له، فساروا حتى أتوا حمراء الأسد، فقال أبو سفيان لبعض من يريد المدينة من المشركين: هَلْ لَكَ أَنْ تُبْلِغَ مُحَمَّدًا رِسَالَةً، وَأُوقِرَ لك راحلتك زبيبا إذا أتيت مكة؟ قال: نعم. قال: بلغه أنا جمعنا الكرة لنستأصله وأصحابه، فلما قال لهم ذلك، قَالُوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: ١٧٣ - ١٧٤] (١) . وكانت وقعة أُحد في شوال سنة ثلاث، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المدينة، فأقام بقية السنة، فلما استهل المحرّم، بلغه أن طليحة وسلمة ابني خويلد قَدْ سَارَا فِي قَوْمِهِمَا ومن أطاعهما يدعوان بني أسد من خزيمة إلى حربه، فبعث أبا سلمة ومعه مائة وخمسون، فانتهوا إلى ماء لبني أسد يأوي قطن بن أبي مرثد الغنوي


(١) سورة آل عمران: ١٧٣، ١٧٤.

<<  <   >  >>