فَلَمَّا كَانَ خَامِسُ الْمُحَرَّمِ، بَلَغَهُ أَنَّ خالد بن سفيان الهذلي قَدْ جَمَعَ لَهُ الْجُمُوعَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ عبد الله بن أنيس فقتله.
فلما كان في صَفَرٌ، قَدِمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ، وَذَكَرُوا أَنَّ فِيهِمْ إسْلَامًا، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ معهم من يعلّمهم الدين، فبعث معهم ستة فيهم خبيب وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مرثد بن أبي مرثد الغنوي، فكان ما كان.
وفي هذا الشهر كانت وقعة بئر معونة.
وفي ربيع الأول كانت غزوة بني النضير، وزعم الزهري أنها كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ أَوْ غَلَطٌ عَلَيْهِ، بَلِ الَّذِي لَا شك فيه أنها بعد أُحد، والتي بعد بدر قَيْنُقَاعٍ، وَقُرَيْظَةُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَخَيْبَرُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، فكان فله مع اليهود أربع غزوات.
ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ ذات الرقاع في جمادى الأولى، وهي غزوة نجد، فخرج يريد قوما من غطفان وصلى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي فِي تاريخ هذه الغزوة وَصَلَاةِ الْخَوْفِ بِهَا وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ عَنْهُمْ، وَهُوَ مشكل جدا، والظاهر أن أول صلاة صلاها للخوف بعسفان، كما في حديث صححه الترمذي، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ غَزْوَةَ عُسْفَانَ كَانَتْ بعد الخندق، وقد صح عنه أنه صلاها بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَبَعْدَ عُسْفَانَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا موسى شهدا ذات الرقاع كما في " الصحيحين "، فلما كان شعبان، وقيل: ذي القعدة من العام القابل، خرج - صلى الله عليه وسلم - لميعاد أبي سفيان بالمشركين فانتهى إلى بدر، وأقام ينتظر المشركين، وخرج أبو سفيان من مكة وهم ألفان ومعهم خمسون حتى إذا كانوا على مرحلة من مكة رجعوا، وقالوا: العام عام جدب.
ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - في ربيع سنة خمس إلى دومة الجندل، فهجم على ماشيتهم، وأصاب ما أَصَابَ، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ، وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دومة، فتفرقوا.
ثم بعث بريدة السلمي في شعبان إلى بني المصطلق وهي غزوة المريسيع - وهو مكان لماء - واصطفوا للقتال، وتراموا ساعة، ثم أمر أصحابه، فحملوا حملة رجل واحد، فانهزم المشركون، وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ والذراري والمال.
وفيها سقط عقد لعائشة، فاحتبسوا في طَلَبِهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ محمد بن إسحاق عَنْ يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة في قصة العقد أن أبا بكر قال: يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ سَفَرٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وبلاء. فأنزل الله عز وجل آية التَّيَمُّمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ