ومنها أنه إذا قَتَل الذين تسلّموه لَمْ يَضْمَنْهُ بِدِيَةٍ وَلَا قَوَدٍ وَلَمْ يَضْمَنْهُ الإمام.
ومنها أنه إذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبين أهل الذمة عهد، جاز لملكٍ آخر أن يغزوَهم، كما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية مستدلا بقصة أبي بصير مع المشركين.
والذي في هذه القصة من الحِكَم أكبر وأجلّ من أن يحيط به إلا الله.
ومنها أنها مقدمة بين يدي الفتح الأعظم، وهذه سنته سبحانه في الأمور العظام شرعا وقدرا أن يوطئ بين يديها بمقدمات وَتَوْطِئَاتٍ تُؤْذِنُ بِهَا، وَتَدُلُّ عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا أَنَّ هذه الهدنة مِنْ أَعْظَمِ الْفُتُوحِ، فَإِنَّ النَّاسَ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بعضا واختلط المسلمون بالكفار، ونادوهم بِالدَّعْوَةِ وَأَسْمَعُوهُمُ الْقُرْآنَ وَنَاظَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جَهْرَةً آمِنِينَ، وَظَهَرَ مَنْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فيه مُدَّةَ الْهُدْنَةِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ، فكانت تلك الشروط من أكبر الجند التي أقامها المشترطون لحزبهم، فذلوا من حيث طلبوا العز، وعز المسلمون من حيث انكسروا لله، فانقلب العز بالباطل ذلا بحق.
ومنها ما سببه الله سبحانه للمؤمنين من زيادة الإيمان، والإذعان على ما أكرهوا، وما حصل لهم في ذلك من الرضا بالقضاء وانتظار وعد الله، وشهود منّته بِالسَّكِينَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِي قُلُوبِهِمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي تُزَعْزَعُ لها الجبال.
ومنها أنه سبحانه جعله سببا للمغفرة لرسوله، ولإتمام نعمته عليه، وهدايته ونصره، وَانْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضيم، ولهذا ذكره سُبْحَانَهُ جَزَاءً وَغَايَةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى فعلٍ قام بالرسول والمؤمنين.
وتأمل وصفه قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الَّذِي اضْطَرَبَتْ فيه القلوب، فازدادوا بالسكينة إيمانا، ثم أكد بيعتهم لرسوله أنها بيعة له، وأن من نكثها، فعلى نفسه، وكل مؤمن فقد بايع الله على لسان رسوله على الإسلام وحقوقه، ثم ذكر ظن الأعراب، وأنه من جهلهم به سبحانه، ثم أخبر برضاه عن المؤمنين بالبيعة، وأنه علم ما في قلوبهم من صدق الطاعة، فأنزل الله السكينة عليهم وأثابهم الفتح والمغانم الكثيرة، وَكَانَ أَوَّلُ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمِ فَتْحَ خَيْبَرَ وَمَغَانِمَهَا، ثم استمرت الفتوح والمغانم إلى الأبد، وكف الأيدي عنهم، قيل: أهل مكة، وقيل: اليهود حين همُّوا أن يغتالوا من بالمدينة بعد خروج الصحابة، وقيل: أهل