للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حزن جد ابن المسيب بسهل، فأبى، وقال: السهل يوطأ ويمتهن. وقال أبو داود: وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا عَفْرَةً سَمَّاهَا خَضِرَةً، وَشَعْبَ الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شَعْبَ الهداية، وبنو مغوية سماهم بني رشدة. ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني دالة عَلَيْهَا، اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا ارْتِبَاطٌ وَتَنَاسُبٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى مَعَهَا بمنزلة الأجنبي المحض، فإن الحكمة تَأْبَى ذَلِكَ، وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ، بَلْ لِلْأَسْمَاءِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُسَمَّيَاتِ، وَلِلْمُسَمَّيَاتِ تَأَثُّرٌ عَنْ أَسْمَائِهَا فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ، وَاللَّطَافَةِ وَالْكَثَافَةِ، كما قيل:

وقل أن أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَبٍ ... إِلَّا وَمَعْنَاهُ إِنْ فَكَّرْتَ فِي لَقَبِهْ

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يحب الِاسْمَ الْحَسَنِ، وَأَمَرَ إِذَا أَبْرَدُوا إِلَيْهِ بَرِيدًا أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الِاسْمِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، وَكَانَ يَأْخُذُ الْمَعَانِيَ مِنْ أَسْمَائِهَا فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ، كما رأى أنه هو وَأَصْحَابَهُ فِي دَارِ عقبة بن رافع، فَأُتُوا برطب من رطب ابن طاب، فأوله أن العاقبة لهم في الدنيا، والرفعة في الآخرة، وأن الدين الذي اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُمْ قَدْ أَرْطَبَ وَطَابَ. وَتَأَوَّلَ سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل، وَنَدَبَ جَمَاعَةً إِلَى حَلْبِ شَاةٍ، فَقَامَ رَجُلٌ يَحْلُبُهَا، فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ قَالَ: مرة. فَقَالَ: " اجْلِسْ " فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: " مَا اسْمُكَ "؟ قَالَ- أظنه-: حرب. قال: " اجْلِسْ " فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: " مَا اسْمُكَ قَالَ: يعيش، قال: " احْلُبْهَا» . وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَمْكِنَةَ الْمُنْكَرَةَ الْأَسْمَاءِ، وَيَكْرَهُ العبور فيها، كما مر بين جبلين، فسأل عن اسمهما، فقالوا: فاضح ومخزي. فعدل عنهما. وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَالْمُسَمَّيَاتِ مِنَ الِارْتِبَاطِ وَالتَّنَاسُبِ وَالْقَرَابَةِ مَا بَيْنَ قَوَالِبِ الْأَشْيَاءِ وَحَقَائِقِهَا، وَمَا بَيْنَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ، عَبَرَ الْعَقْلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، كَمَا كَانَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ يَرَى الشَّخْصَ، فَيَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَلَا يَكَادُ يخطئ، وضد هذا العبور من اسمه إلى مسماه، كما سأل عمر رَجُلًا عَنِ اسْمِهِ، فَقَالَ: جمرة. فَقَالَ: وَاسْمُ أبيك؟ فقال: شهاب. قَالَ: فَمَنْزِلُكَ؟ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ. قَالَ: فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظَى. قَالَ: اذْهَبْ فَقَدِ

<<  <   >  >>