للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احترق مسكنك، قال: فذهب فوجد الأمر كذلك. كَمَا عَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اسم سهيل إلى سهولة أمرهم، وأمر أُمَّتَهُ بِتَحْسِينِ أَسْمَائِهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ يَوْمَ القيامة بها، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ اشْتُقَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَصْفِهِ اسْمَانِ مُطَابِقَانِ لِمَعْنَاهُ وَهُمَا أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ، فَهُوَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الصفات المحمودة وشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد، وكذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل، وَكَذَلِكَ تَكْنِيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لعبد العزى بأبي لهب لما كان مصيره إلى ذات لهب، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، واسمها يثرب، سماها طيبة لما زال عنها من معنى التثريب. ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه قال صلى الله عليه وسلم لبعض العرب: «يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أحسن اسْمَكُمْ وَاسْمَ أَبِيكُمْ» . فَانْظُرْ كَيْفَ دَعَاهُمْ إِلَى عبودية الله بذلك. وتأمل أيضا الستة المتبارزين يوم بدر، فالوليد لَهُ بِدَايَةُ الضَّعْفِ، وشيبة لَهُ نِهَايَةُ، وعتبة من العتب، وأقرانهم علي وأبو عبيدة والحارث، العلو والعبودية والسعي الذي هو الحرث؛ ولذلك كَانَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ مَا اقْتَضَى أحب الأوصاف إليه، فإضافة العبودية إلى اسمه " الله " و " الرحمن " أحب إليه من إضافتها إلى " القادر " و " القاهر " وغيرها، وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة، والتعلق بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ بِالرَّحْمَةِ الْمَحْضَةِ، فَبِرَحْمَتِهِ كان وجوده وكماله، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء. ولما والهم مبدأ الإرادة، وترتب على إرادته حرثه وكسبه، كان أصدق الأسماء اسم همام وحارث. ولما كان الملك الحق لله وحده، كان أخنع اسم عِنْدَ اللَّهِ وَأَغْضَبَهُ لَهُ اسْمُ " شَاهَانْ شَاهْ " أَيْ مَلِكُ الْمُلُوكِ، وَسُلْطَانُ السَّلَاطِينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ليس لأحد غير الله عز وجل، فتسمية غيره بهذا باطل، والله لا يحب الباطل. وقد ألحق بعضهم بهذا قاضي القضاة، ويليه في القبح سيد الناس؛ لأن ذلك ليس لأحد إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولما كان مسمى الحرب والمرارة أكره شيء للنفوس، كان أقبح الأشياء حربا ومرة. وعلى قياسه حنظلة وحزن، وما أشبههما، ولما كانت أخلاق الأنبياء أشرف الأخلاق، كانت في أسمائهم أحسن الْأَسْمَاءِ، فَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ إِلَى التَّسَمِّي بِأَسْمَائِهِمْ، كَمَا فِي سُنَنِ أبي داود وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ» ، ولو لم يكن فيه

<<  <   >  >>