للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حسب مشاهدة الصور الخارجية، فإن الصور الخارجية لم تكن مشاهدة لكونها صورة خارجية بل لكونها مرتسمة في الحس المشترك.

قالوا: ومن طباع القوة المتخيلة التصوير والتشبيح دائمًا، إلا أن هناك أمرين صارفين لها عن فعلها:

أحدهما: توارد الصور من الخارج على الحس المشترك، فإنه إذا انتقش بهذه الصورة لم يتسع لانتقاشه بالصور التي تركبها القوة المتخيلة فيعوقها ذلك عن عملها لعدم القابل.

وثانيها: تسلط العقل أو الوهم عليها بالضبط عندما يستعملانها فتتعوق بذلك عن عملها، وإذا انتفى هذان الشاغلان أو أحدهما تفرغت القوة المتخيلة لفعلها في التصور، والشخص إذا نام انقطع عن الحس المشترك توارد الصور من الخارج، فيتسع لانتقاش الصور من الداخل.

قالوا: إذا عرفت هذا فنقول ما يدركه النائم ويشاهده صور مرتسمة في الحس المشترك موجودة فيه ويكون ذلك على وجهين:

الأول: أن يرد ذلك المدرك على الحس المشترك من النفس الناطقة (١) وهي تأخذه من العقل الفعال (٢) فإن جميع صور الكائنات من الأزل إلى الأبد مرتسم فيه.


(١) هي الروح عند الفلاسفة، عرفها الجرجاني في التعريفات (٢٩٣) فقال: "هي الجوهر المجرد عن المادة في ذواتها مقارنة بها في أفعالها" وانظر: كتاب المباحث الشرقية (٢/ ٤٣٣).
(٢) وهو عندهم أحد العقول العشرية المتصرفة في الكون، وهو نقطة الاتصال بين العبد وربه ومصدر الشرائع والقوانين، فالله سبحانه وتعالى، عندهم لم يخلف إلا شيئًا واحدًا وهو العقل الأول وكان العقل الأول غيره، فالعلم بالحوادث منتقش في العقل أو النفس الملكية فإذا اتصلت به النفس الناطقة عملت ذلك في صورة خيار، والسبب الموجب للاتصال ضعف تعلقها بالبدن وانظر: آراء أهل المدينة الفاضلة (٥٧، ٥٨) وقد رد عليهم شيخ الإسلام في هذه المسألة في كتابه الصفدية (١/ ٢٠١ - ٢٠٩).

<<  <   >  >>