عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال:«ادع الله أن يعافينا»، قال:«إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئت أخرتُ ذاك فهو خير»، وفي رواية:«وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك»، فقال:«ادْعُه»، فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلى ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:«اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتُقضَى لي، اللهم فشفعه فيَّ، وشفعني فيه»، قال: ففعل فبرأ (١).
* قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: «هذا الحديث لا حجة فيه على التوسل بالذات بل هو دليل على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه؛ لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:
١ - أن الأعمى إنما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليدعو له، وذلك قوله: «ادع الله أن يعافيني» فهو قد توسل إلى الله بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبيَ - صلى الله عليه وآله وسلم - ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً «اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تشفيني وتجعلني بصيراً» ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذْكر فيها اسم المتوسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.
٢ - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خيرٌ لك».
٣ - إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله:«فادْعُ» فهذا يقتضي أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له؛ لأنه خير من وفي بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد
(١) رواه الإمامان أحمد (١٧١٧٤، ١٧١٧٥) وابن ماجة (١٣٨٥) وصححه الشيخ الألباني.