سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما تكون بالفعل تكون بالترك، فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات، كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة، وكما لا نتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل، لا نتقرب إليه بفعل ما ترك فلا فرق بين الفاعل لما ترك والتارك لما فعل. والكلام في ترك شيء لم يكن في زمنه - صلى الله عليه وآله وسلم - مانع منه وتوفرت الدواعي على فعله، كتركه الأذان للعيدين، والغسل لكل صلاة، وصلاة ليلة النصف من شعبان، والأذان للتراويح، والقراءة على الموتا، فهذه أمور تُركت في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - السنين الطوال مع عدم المانع من فعلها ووجود مقتضيها، لأنها عبادات والمقتضي لها موجود وهو التقرب إلى الله تعالا، والوقت وقت تشريع وبيان للأحكام، فلو كانت ديناً وعبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى ما تركها السنين الطويلة مع أمره بالتبليغ وعصمته من الكتمان، فتركه - صلى الله عليه وآله وسلم - لها ومواظبته على الترك ـ مع عدم المانع ووجود المقتضي ومع أن الوقت وقت تشريع ـ دليل على أن المشروع فيها هو الترك، وأن الفعل خلاف المشروع، فلا يتقرب بها؛ لأن القربة لابد أن تكون مشروعة.
وأما ما فعله الخلفاء ولم يكن موجوداً من قبلُ فهو لا يخرج عن أمور لم يوجد لها المقتضي في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بل في عهد الخلفاء كجمع المصحف، أو كان المقتضي موجوداً في عهد الرسول ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة فإن المانع من
(١) الإبداع (ص٣٤ - ٤٤) بتصرف. القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل (ص٧٨ - ٧٩).