قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى عبادات يتخذونها دينًا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم.
فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله.
والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله» (١).
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: «ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دينًا إلا ما شرعه الله فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم.
والفرق بينهما أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله؛ فإن العبادة حقه على عباده وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرَعه. وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها؛ ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين: وهو تحريم ما لم يحرمه والتقرب إليه بما لم يشرعه. وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفوًا لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله؛ فإن الحلال ما
(١) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (٢٥٨٢)