للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو تدبير يُلجأ إليه لوقاية المجتمع من الاستغلال والاحتكار (١)، واختلاف الفقهاء في حكم التسعير يترتب عليه اختلافهم في الأشياء التي يجري فيها التسعير، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن التسعير يكون في القوتين (قوت الإنسان وقوت الحيوان) وغيرهما مما تعمُّ الحاجة إليه لجميع الناس وبذلك قال بعض الحنفية (٢)، وبه قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله تعالى.

القول الثاني: ذهب بعض المالكية (ابن حبيب (٣) إلى أن التسعير ينحصر في المكيل والموزون، مأكولاً كان أو غير مأكول. (٤)

القول الثالث: وهو لابن عرفة (٥) من المالكية، وفيه أن التسعير لا يكون إلا في المأكول دون غيره (٦). والراجح-والله تعالى أعلم - أن التسعير يكون في القوتين وغيرهما مما تعمّ به حاجة الناس، نظراً لأن هذا القول يتفق مع قواعد الشريعة العامة التي تسعى لرعاية مصالح الأمة ودفع الضرر والاستغلال عنهم، كما أن حاجة الناس إلى غير الأقوات قد تفوق حاجتهم إلى الأقوات (٧).


(١) العبّادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، ج٢، ص٣٧٤. بتصرف
(٢) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج٦، ص٤٠٠. ابن تيمية، الحسبة في الإسلام، ص١٦، بدون رقم طبعة وبدون دار نشر. ابن القيّم، الطرق الحكمية، ص٢٤٤. وممن قال بذلك من العلماء المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في بحثه الموسوم (حكم التسعير) المنشور في مجلة البحوث الإسلامية، ص٩٤، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، المملكة العربية السعودية.
(٣) عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي، عالم أندلسي، ولد سنة ١٧٠هـ، له من مؤلفاته: كتاب فضائل الصحابة وكتاب طبقات الفقهاء والتابعين، توفي سنة ٢٣٩هـ. القاضي عياض، ترتيب المدارك، تحقيق أحمد محمود، ج٣، ص٣٠، بدون رقم طبعة، مكتبة الحياة، بيروت، لبنان.
(٤) الباجي، سليمان، المنتقى شرح الموطأ، ج٥،ص١٥،ط٢، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر.
(٥) محمد بن عرفة الورغمي التونسي، ولد سنة ٧١٦هـ، له كتاب مختصر في الفقه، توفي سنة ٨٠٣هـ. مخلوف، محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ص٢٢٦، طبعة عام ١٩٣٠م، المطبعة السلفية، القاهرة، مصر.
(٦) الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج٥، ص١٨.
(٧) الدريويش، أحمد بن يوسف بن أحمد، أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي، ص٣٩٤، ط١، ١٩٨٩م، دار الكتب، الرياض، السعودية، أصل الكتاب رسالة دكتوراة من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود، وقد نوقشت عام ١٩٨٤م، بإشراف الدكتور محمد بن أحمد الصالح.