للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وينطبق ما سبق بيانه على التسعير في بيع الأعيان والمنافع، أما تحديد الأجور فنعني به معرفة الأسس التي يُعرف بها أن أجرة العامل مقابل قيامه بعمل ما يساوي مبلغ معيّن، والتسعير في الإجارة تكون في حالين:

الأولى: التسعير في أجرة منافع الأعيان، ويُقصد به تحديد أسعار الإيجار لكل عين يصح الانتفاع بها وتأجيرها، كتحديد أسعار الإيجار للعقارات، أو تحديد تسعيرة لأجرة النقل والمواصلات كأجرة الطائرات أو السيارات أو السفن، وهذا النوع من التسعير جائز، حيث لا يخرج عن المصلحة العامة التي من أجلها أُبيح التسعير في السلع، خاصة إذا كان مبني على العدل، وقد صدرت الفتوى من مفتي عام المملكة العربية السعودية الأسبق (١)، بتحريم التسعير للعقارات في حال عدم الحاجة لذلك، وبهذا يظهر أن مناط الحكم في التسعير هو وجود المصلحة فمتى وجدت جاز، ومتى كان التسعير مضراً أو محتوياً على شيء من الظلم فهو ممنوع.

الثانية: التسعير في أجرة منافع العمال (الأجير بنوعيه: العام والخاص) والتسعير على الأجير الخاص أو الأجير المشترك جائز، بل قد يكون هو الواجب والمتعيّن في بعض الأحيان، وهو الذي تقوم به بعض الدول، حماية لحقوق الأجراء، وحقوق المستأجرين لهم (٢)، يقول ابن تيمية ممثلاً للتسعير في أجرة العمال: "وكذلك إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد من سلاح وجسر للحرب وغير ذلك فيستعمل بأجرة المثل، لا يمكّن المستعملون من ظلمهم، ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم مع الحاجة إليهم، فهذا تسعير في الأعمال" (٣)،وقد أطلق ابن القيم-رحمه الله- على هذه العملية (التسعير في الأعمال)، حيث أفاد بأن الناس إذا احتاجوا إلى فلاحة قوم أو نسجهم أو بنائهم أصبحت هذه الأعمال مستحقة عليهم، ولولي الأمر أن يجبرهم على هذه الأعمال بعوض المثل، كما أن الجند المرابطون للجهاد إذا احتاجوا لفلاحة أرضهم فلولي الأمر أن يُلزم الفلاحين بالعمل فيها، كما يُلزم الجنود بأن لا يظلموا الفلاحين في دفع الأجور. (٤)


(١) الشيخ محمد بن إبراهيم.
(٢) السحيباني، عبد الله بن عمر، التسعير في ظل الأزمة المالية المعاصرة، بحث منشور على موقع الإسلام اليوم، http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow، بتصرف يسير.
(٣) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج ٢٨، ص٨٦، ٨٧. ويقول أيضاً في الطحانين والخبازين: " الذين يطحنون ويخبزون لأهل البيوت، فهؤلاء يستحقون الأجرة، وليس لهم عند الحاجة إليهم أن يطالبوا إلا بأجرة المثل، كغيرهم من الصناع ". المرجع نفسه، ج٢٨،٨٩.
(٤) ابن القيم، الطرق الحكمية، ص٢٣٨ بتصرف.