للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويمكن أن نستدل على جواز التسعير في الأعمال بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (١) وموضع الاستدلال أن التعاون على كل ما هو برّ يتفرع عنه إجبار صاحب العمل على إعطاء الأجير الأجرة العادلة تتناسب مع مقدار العمل الذي قام به مقارناً بالجهد الذي بذله، كما يُستدلّ بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (٢) وفي ذلك إرساء لقواعد العدل في المجتمع، ومنعاً للخصومة والشقاق بين العامل وصاحب العمل، ومع ميلنا للقول بجواز تسعير الأجور إلا أن من العلماء المعاصرين من وضع شروطاً عامة للتسعير منها:

١. أن يكون التسعير بناءً على دراسة مستفيضة واستشارات علمية صادقة من الخبراء المنزَّهين عن أي مصلحة شخصية.

٢. أن يوجد الحرص الكامل من الدولة وأجهزتها المعنية على تحقيق مصالح العباد، وإلا كان التسعير ضرباً من العبث.

٣. لا يجوز الالتجاء إلى التسعير إلا إذا كانت الدولة قد اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة للحيلولة دون تلاعب المحتكرين، ومن هم ورائهم ممن لهم مصلحة بذلك. (٣)

أما كيفية تحديد الأجور فيرى فقهاء الشريعة الإسلامية أن ذلك يتم بطريق أهل الخبرة والاختصاص، مضافاً إلى خبرتهم واختصاصهم أمانتهم، حيث ذكر صاحب رد المحتار على الدرّ المختار:" أن طريق علم القاضي بالزيادة أن يجتمع رجلان من أهل البصر والأمانة، فيؤخذ بقولهما معاً عند محمد وعندهما (٤) قول الواحد يكفي" (٥) ويعتبر في كل تجارة أهلها، وفي كل صنعة أهلها.

ونشير إلى أن علماء الإسلام تحدثوا عن لجان تحديد الأسعار والأجور، وعن أعضائها وكيفية اتخاذها للقرار منذ قديم العصور، فاشترطوا أن تضم اللجنة بين أعضائها:

أ. ولي أمر المسلمين، أومن يُنيبه عنه، مع التأكيد على امتيازه بالخبرة والاختصاص.

ب. من يُمثل رجال الأعمال والتجار وأصحاب الصناعات، حتى يعطوا رأيهم في السعر المناسب والعادل للسلعة، أو الخدمة التي يحصل عليها صاحب العمل.


(١) سورة المائدة، آية رقم٢.
(٢) سورة الشعراء، آية رقم ١٨٣.
(٣) النشوي، الاحتكار والمحتكرون في الميزان الشرعي والقانون الوضعي، ص٣٤٤.
(٤) أبو حنيفة وأبو يوسف.
(٥) حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج٦، ص٦٠٩.