للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستغناء عن خدمات هذا العامل، مع المحافظة على حقوق كل طرفٍ من أطراف العقد، كما أن المدة الطويلة في العمل تعني بالعادة الزيادة في الكفاءة الإنتاجية للعامل، وذلك بسبب اكتساب العامل مهارات جديدة وخبرات إضافية، وهو ما يعني زيادة قيمة الخدمة التي يقدمها العامل ويحصل عليها صاحب العمل، فكيف يمكن أن يبقى الأجر ثابتاً عند مسمّاه الأول؟ مع احتمال نقص الأجر نتيجة ارتفاع الأسعار، وهو ما يُعتبر بحدّ ذاته مشكلة اقتصادية.

ويعُتبر الأجر كالثمن للمبيع، فإذا كان الثمن حاضراً لمبيعٍ حاضر فإنه لا مشكلة في الثمن، ولا يُنظر إذا كان الثمن المدفوع يُلبّي احتياجات البائع أم لا؟ لأنه طالما اتفق البائع والمشتري فإن كل واحد منهما قد قدّر مصلحته في إطار نظرته للسوق ومتابعته له، أما إذا كان الثمن مؤجلاً لمبيعٍ حاضرٍ فإنه لا بدّ من التفرقة بين طروء تضخم على الأسعار بشكل مفاجئ وحادّ، وبين التضخم غير المفاجئ وغير الحادّ، فإذا كان التضخم مفاجئ وحادّ يُنظر في الثمن المؤجل، وذلك حتى لا يقع ظلم على البائع، خصوصاً إذا لم يكن لديه القدرة بتوقع مثل هذه التقلبات في سوق العمل.

أما فيما يتعلق بتحديد الأجور وتغيرها تبعاً لتغيّر الأسعار، فقد جاء في كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية عندما تحدث عن وضع الدواوين وذكر أحكامها وخصوصاً ديوان الجيش عدد شروط إثبات الجندي في الديوان، ثم تحدث عن ضابط الكفاية الذي يستغني به الجندي عن ترك الجهاد وطلب الرزق، فجعل الكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه: الأول عدد من يعوله، الثاني عدد ما يرتبطه من الخيول، والثالث الموضع الذي يحله في الغلاء والرخص، وتقدر كفايته في النفقة والكسوة لعامه كاملاً، ثم تُعرض حاله في نهاية العام فإن زادت حاجته الماسة زيد له في راتبه وإن نقصت نقص من راتبه (١)،ما يعني أنه إذا ارتفعت الأسعار لا بدّ أن ترتفع الأجور بما يعوض ارتفاع الأسعار، وما قاله صاحب الكتاب منذ حوالي ألف عام هو المعمول به الآن في البلاد المتقدمة، حيث تشكيل واجتماع اللجنة المعنية بتحديد وتغيير الأجور، ومن الفقهاء المعاصرين من أجاز ربط الأجور بالمستوى العام للأسعار ولكن بشروطٍ منها:

١. توافر إحصائيات دقيقة وصادقة عن أسعار السلع، وذلك حتى يتم تقدير الأجرة تقديراً دقيقاً، وهو ما ينتج عنه تحقيق العدالة بين جميع طبقات العمّال.

٢. وجود هيئة رسمية عليا على المستوى الوطني، تصبح مسؤولة وبصفة دائمة عن ربط الأجور بالتغيرات في المستوى العام للأسعار.


(١) الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص ٢٦٩ بتصرف.