للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفيد أنه سند بقيمته من الذهب أو الفضة، ثم بعد ذلك زال الغطاء جزئياً ثم كلياً، ولم تَعُد هذه النقود الورقية متعلقة بالذهب ولا بالفضة من قريب ولا بعيد، وأصبحت هي أثمان الأشياء ووسيط التبادل في المعاملات، والقول بأنها فلوس، تخرج عن الثمنية بالغلاء والرخص شأن الفلوس في الأزمنة السالفة قول غير صحيح ويترتب عليه مفاسد كبيرة في الدين والدنيا، ذلك أنه لابدّ للناس من أثمان تقدر بها السلع والخدمات، وتكون واسطة للتبادل حتى تتيسّر معاملاتهم، ولم يعد الذهب ولا الفضة نقداً أصلاً، وهذه الأوراق النقدية فيها خصائص الثمنية، وأصبح إصدارها مضبوطاً بضوابط معينة، وتعمل الدول على حماية نقدها بالتدابير الاقتصادية، ومكافحة التزوير، وترقيم العملات، وسرية العلامات التي تضعها في النقد ضماناً لعدم تزويره، إلى غير ذلك مما لا يخفى في الحياة المعاصرة، وتستخدم هذه النقود في المبادلات والحقوق اليسيرة والكبيرة، وهذا يجعلها تختلف اختلافاً كبيراً عن الفلوس المعهودة في الأزمنة السالفة، والتي لم تكن لها من الثمنية ما للذهب والفضة، وكانت تتعرض للكساد، ولإبطال الحاكم لها كثيراً، كما أنها في كثير من الأحيان إنما تستعمل في الأشياء الحقيرة التافهة، فلا وجه لقياسها على الفلوس المعهودة فيما مضى وإعطائها حكمها، بل هي أثمان يجري فيها الربا وتجب فيها

الزكاة وتصلح رأس مال في السلم والشركات، وقد اقترح المانعون لربط الأجور بالمستوى العام لتغير الأسعار عدم إطالة مدة الإجارة حتى تكون هناك فرصة للاتفاق على الأجر المناسب الذي يتفق مع القيمة الحقيقية له، وإن تعذر الاتفاق على مدة قصيرة للإجارة فليتم الاتفاق أن تكون الأجرة بعملة نادرة التغيّر كالذهب أو الدولار مثلاً. (١)

أما مسألة إضافة ما يسمى (بعلاوة غلاء المعيشة) إذا اعتبرناه نوعاً من الربط فينظر في ذلك، فإذا كانت هذه العلاوة من الأجرة فلا بدّ أن تكون معلومة حال التعاقد؛ لأن الجهل بها يجعل الأجرة مجهولة فيبطل العقد، فلا يصلح أن يُترك تقديرها لما يتحدد بعد ذلك من أحوال؛ لما يترتب عليها من منازعة، (٢) وإن كانت هذه العلاوة من باب التكافل فإنها غير لازمة لصاحب العمل، ولا تكون من الأجرة، فلا يشترط العلم بها؛ لأن كفالة المحتاجين واجب على الدولة وليست واجباً على أرباب الأعمال، وإنما الواجب عليهم العدل في الأجرة، وهناك من عوامل مؤثرة في تحديد مستوى الأجور والرواتب كالآتي:

١. العوامل الاجتماعية والقوانين والتشريعات.


(١) الفعر، حمزة بن حسين، ربط الأجور بتغيّر المستوى العام للأسعار في ضوء الأدلة الشرعية، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثامنة، المجلد الثالث، الصفحات الورقية ٤٩٥ - ٥١٦، بتصرف.
(٢) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص٢١٦.